سياسة
.
رسمت المعارك التي دارت في محافظة دير الزور السورية أواخر العام 2017، وشنتها الولايات المتحدة وإيران لتقاسم تركة تنظيم "داعش"، مناطق "دولية محرمة".
وأفرزت لاحقا مناطق نفوذ وخطوط تماس تسيطر عليها أطراف مختلفة حتى اليوم.
ما هي خطوط التماس هذه؟ ومما يعاني المدنيون في هذه المناطق؟ وأين يتوزع نفوذ العدوين على ضفتي نهر الفرات؟
نهر الفرات فقط هو ما يفصل بين "عدوين". حرارة المياه فيه ترتفع وتنخفض تبعاً للظروف الميدانية.
ويعتبر النهر خط التماس الأول بين مناطق نفوذ واشنطن وحلفاء إيران، وكلا القوتين تنشران نقاطاً على ضفتيه، ودائما ما تكون مسرحاً للرد والرد المضاد، كما حصل بشكل متكرر في أعقاب حرب إسرائيل بقطاع غزّة.
ومنذ السابع عشر من أكتوبر الماضي تعرضت قاعدتا "كونيكو" و"العمر"، وهما أكبر قواعد الولايات المتحدة في سوريا، لسلسة ضربات من قبل ما عرفت نفسها بالمقاومة الإسلامية في العراق.
انطلقت "المسيرات" من الضفة الغربية للفرات، وهاجمت القواعد التي تقع على بعد كيلومترات قليلة في الضفة الشرقية من النهر.
ويقول عمر الصالح أحد سكان بلدة الشحيل الواقعة على ضفاف النهر، إنه يرى الصواريخ والمسيرات بشكل شبه يومي وهي تعبر "الفرات".
ويضيف في حديثه لمنصة بلينكس، أن "الصواريخ سواء من غرب الفرات أو شرقه تمر وكأنها طيور"، مشيراً إلى أن دوي الانفجارات بات أمراً روتينياً، وفي غالب الأحيان يضطر للنزوح من منزله خشية القصف.
بيد أن الباحث في مركز "الشرق للدراسات" سعد الشارع اعتبر أن الأمور ما زالت في نطاق قواعد الاشتباك المرسومة بين إيران وأميركا منذ العام 2017.
ويشير الشارع في حديثه إلى أن نهر الفرات "بات يعرف بالمنطقة الدولية المحرمة والتي لا يمكن لأي طرف عبوره إلا بالقوة".
على مدى السنوات الماضية، لم يتبدد التوتر من أجواء الضفتين الشرقية والغربية لنهر الفرات.
وبينما كانت الجماعات المدعومة من إيران تقصف بالمسيرات والصواريخ، سرعان ما ترد القوات الأميركية وحلفائها على الأرض "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
"التوتر على الضفتين دفعني لتحويل منزلي إلى مستودع خضار.. وهجرته لاحقاً"، كما يقول الشاب السوري عبد العزيز المختار، وهو من أهالي مدينة الميادين.
ويضيف المختار لبلينكس "منزلي كان ذو إطلالة جميلة على النهر.. لكنه تحوّل إلى كابوس.. الفرات لم يعد منظراً للطبيعة وإنما نقطة علامة بين حدود كأنها دولية".
ويشير إلى أنه اضطر لمغادرة منزله عقب تعرضه لقصف بقذيفة هاون من شرق الفرات، ومع ذلك لم تكن هذه الحادثة السبب الرئيسي، إذ تحدث عن تعرضه "لضغوط من الميليشيات الإيرانية التي تستخدم سطح منزله للمراقبة والرصد".
ويتابع المختار "من جانب آخر، لك أن تتخيل أيضاً أن مياه الفرات باتت نقمة على الناس كونها أضحت لاحقاً منطلقا لعبور مقاتلين أو شن عمليات قصف".
ويوضح الباحث أن "الحدود المرسومة بين الإيرانيين وأميركا في دير الزور تسببت بتقطيع أوصال المنطقة".
وأسفر عنها أيضاً "انهيار شبه كامل للمجتمعات الصغيرة التي تناثرت بين مناطق النفوذ المختلفة"، وفق الباحث السوري.
يستخدم المدنيون ما يعرف محلياً بـ "الطرادات"، وهي قوارب صغيرة وبدائية للتنقل بين ضفتي نهر الفرات.
لكن عملية العبور والانتقال من مناطق نفوذ أميركا في شرقي النهر، إلى مناطق نفوذ إيران في غربه، تكلّف الأهالي دفع "إتاوات" لحواجز النظام السوري والميليشيات الإيرانية المقامة على جرف النهر.
ويمنع النظام والميليشيات المدنيين من دخول المنطقة دون دفع رسوم، بحسب ما يقول ياسر الخليف.
ويضيف لبلينكس أنه "يدفع لحواجز النظام يومياً ما مجموعه 100 دولار أميركي لكي يسمح له بإيصال البضائع إلى مكان عمله في مدينة البصيرة الواقعة تحت نفوذ واشنطن وقسد".
ويشير إلى أنه "مجبر" ولا يوجد أي طريق آخر غير "الفرات"، بينما يعود بالذاكرة إلى الوراء ويتحدث كيف كان "يعبر النهر قبل اندلاع الحرب خلال خمس دقائق فقط".
ويعتبر نهر الفرات مصدرا اقتصاديا لقوات النظام السوري أكثر من حقول النفط نفسها، وفق الخليف، معتبراً أنه "ذو أهمية من ناحية رسم حدود النفوذ أكثر من أهمية الحدود المقامة بين الدول".
تحدثت بلينكس إلى المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ حول التطورات الأخيرة على ضفتي الفرات.
واعتبر أن "تنفيذ ضربات على الميليشيات المرتبطة بإيران في دير الزور كان رسالة واضحة بأن الهجمات على القواعد الأميركية لن يسمح بها".
وأشار وربيرغ إلى أن بلاده لا تريد حرباً مع إيران، لكنها ستتخذ التدابير اللازمة لحماية مصالحها.
وفي الوقت ذاته أوضح أن "الضربات الأخيرة التي تم تنفيذها قرب البوكمال على الضفة الغربية من نهر الفرات، كانت رداً على هجمات".
أي أن "واشنطن لم تبادر بضرب أي أهداف إيرانية، وإنما وكلاء ومجموعات موالية لإيران هي من استهدفت موظفي الحكومة الأميركية في سوريا والعراق"، وفق قوله.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة