"فضائيون" في مواكب حماية.. ظاهرة تؤرق الشارع العراقي

يعمل علي عبد الرزاق (39 سنة) سائق أجرة في العاصمة بغداد، وغالباً ما يرى أن أرتال المسؤولين "الطويلة " تتسبب له بالانتظار والسخط، ويقول "كثيراً ما ننتظر لرتل طويل من مركبات فارهة مظللة، أصواتها تثير الرعب في الشارع" لتمر ونكمل عملنا.

ويقول "نحن نستغرب من الحاجة إلى كل تلك الأرتال، بينما نحن العراقيون نعاني كل مصائب الحياة التي لا يعلم بها المسؤول".

يوضح علي أن تلك الأرتال تستفزّه كثيراً، فهي تشعره بأن الطبقة الحاكمة في وادي، والشعب في واد آخر، لافتاً إلى أن سعر مركبة واحدة من رتل المسؤولين والمتنفذين تمكنه من شراء منزل يأويه وعائلته، بدل دفع الإيجار الشهري الذي أثقل كاهله وجعله يعمل معظم اليوم في شوارع بغداد وطوابير الازدحامات فيها.

لكنه يستدرك قائلاً "ما فائدة الكلام والمسؤول العراقي أو السياسي العراقي يظلل زجاج مركبات الرتل، لكي لا يشاهد أوجاع العراقيين ومتسوليّه على جانبي الرصيف".

يتداول العراقيون بسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، موضوع أرتال المسؤولين والسياسيين، والتي طالما يقولون إنها "أطول تجمّع أرتال يمكن أن تراه في العالم" بينما يتفاخر المسؤولون وأنصارهم باعتباره مصدرا للفخر والقوة في بلد تتنازعه الصراعات السياسية والطائفية.

ورغم استتباب الوضع الأمني فيه، إلا أن مواكب حماية المسؤولين مازالت تجول وتصول في الشوارع بأرتال كبيرة، ناهيك عن قادة المليشيات والجماعات المسلحة التي دائماً ما تتفاخر بأرتالها الكبيرة على مواقع التواصل.

عراقيون عبروا عن استيائهم من استمرار هذه الظاهرة التي تبث الرعب في الشوارع، وتشعرهم بالنظرة الفوقية التي يتعامل بها بعض المسؤولين مع الشعب.

يرى المواطن نعيم الخفاجي أن صورة أرتال الحماية تجسد النظرة الفوقية التي ينظر بها المسؤول والمتنفذ لباقي العراقيين. الخفاجي يقول إن هذه المواكب "تذكير للعراقيين بأن هناك مستويين في هذا البلد، أحدهم سيد والآخر عبد".

بينما يشير المواطن إبراهيم القريشي إلى أن تلك الأرتال تثير الرعب في الشارع وتقطع أوصاله، وترسل رسائل سلبية للمواطن وللخارج عن عدم استقرار الأوضاع الأمنية.

إلى جانب النظرة المجتمعية والأمنية والتذمر الشعبي، فإن مختصيّن يشيرون إلى وجود شبهات فساد خلف الأعداد الكبيرة للحماية، لا سيما ما يعرف بظاهرة "الفضائيين" حول أعداد تلك الحماية.

عضو تحالف لأجل النزاهة سعيد ياسين، يشير إلى أن هناك مؤشرات كبيرة على وجود شبهات فساد في بعض تلك الأرتال وأعدادها ومخصصاتها المالية من قبل الدولة.

ويشير إلى أن هناك الكثير من أعضاء مجلس النواب والمسؤولين يتاح لهم استخدام عدد كبير من الحماية، لكن هناك من يقول إن البعض منهم لا يستخدم تلك الحماية ويتقاضى الراتب المخصص لها.

ويبيّن أن سياسيين ونواب يسجلون أعداد أفراد الحماية، ويستلمون رواتبهم بالوكالة دون أن يكونوا موجودين أساساً، في ظاهرة تُعرف "بالفضائيين"، حسب قوله.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، كان قد وجّه في سبتمبر الماضي، بتقليص أعداد حماية المسؤولين، ومنع حركة العجلات المكشوفة التي تحمل المقاتلين ومنع مظاهر العسكرة التي تسببها تلك الأرتال.

وزارة الداخلية تقول إنها بدأت بتنفيذ تلك التوجيهات حرفياً، لإنهاء المظاهر السلبية المرافقة لحماية المسؤولين.

ويوضح العميد الحقوقي مقداد ميري، المتحدث باسم وزارة الداخلية، أن وزارته باشرت حال صدور التوجيهات بتنفيذها، على اعتبارها ملزمة على جميع المؤسسات والوزارات.

وأكد أن وزارته اتخذت إجراءات سريعة لتقييّد تلك الحماية بالأعداد التي ينص عليها القانون، ومنع عسكرة الشارع بأعداد كبيرة من الأرتال والحماية بأي شكلٍ من الأشكال، وفقاً لتوجيه القائد العام للقوات المسلحة.

ويأتي توجيه السوداني مشابهاً لقرار سابق أصدره رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في 2015، وسط تشكيك المواطنين بعدم القدرة على تقليص حماية المسؤولين، لاسيما الخط الأول من السياسيين والمتنفّذين.