أكدّ خبراء ومراقبون أميركيون لـ"بلينكس"، أن خريطة الطريق لعودة الهدوء في المنطقة ترتبط بعودة الردع الأميركي ضد إيران والمليشيات المسلّحة في المنطقة، مشددين على أن الأمر لم يعد مقتصراً على غزّة.

وقالت الزميلة الباحثة ونائبة مدير برنامج منع الانتشار النووي والدفاع البيولوجي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) بالعاصمة الأميركية واشنطن، أندريا ستريكر، في تصريحات لـ"بلينكس"، إن حماس عندما قررت تنفيذ هجومها ضد إسرائيل، كانت تخطط لجر المنطقة برمتها إلى صراع مع إسرائيل، وذلك بالتنسيق مع إيران ووكلائها في الشرق الأوسط.

وتابعت الباحثة الأميركية، أن البنتاغون اعترف بأن الجماعات المدعومة من إيران شنّت عشرات الهجمات على مواقع أميركية، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، ما أدى إلى إصابة عشرات الجنود الأميركان في غضون الأسابيع القليلة الماضية مع ردود بسيطة من واشنطن.

ونبّهت ستريكر، إلى أنه بينما تخطط الجماعات والمليشيات -بلا شك- لشّن هجمات إضافية ضد القوات الأميركية وإسرائيل، فإن على واشنطن استعادة أمان الشرق الأوسط بالتزام الولايات المتحدة بالردع أولاً، "خشية أن تشن طهران أو أحد وكلائها هجوماً كارثياً ضد المصالح الأميركية في المنطقة أو تفتح جبهات إضافية ضد إسرائيل".

وأضافت أن الطريق إلى عودة الهدوء في غزّة، يبدأ بردع التحركات الإيرانية في المنطقة، محذرّة من أنه إذا بدت التحركات الأميركية العسكرية الأخيرة غير رادعة لإيران، "فذلك لأنها كانت كذلك منذ فترة طويلة"، وفق وصفها.

وأشارت إلى أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال في مارس الماضي، إنه منذ بداية ولاية بايدن في منصبه، "هاجم وكلاء طهران القواعد والأصول الأميركية في الشرق الأوسط في 83 مناسبة منفصلة، وقمنا بهجوم مضاد 4 مرات فقط".

وإذا لم يبعث بايدن برسالة واضحة مفادها أنه سيحمّل طهران المسؤولية عن الهجمات المستمرة التي يشنها وكلاؤها، فقد تتحول الحرب في غزّة إلى حريق إقليمي، وفق ستريكر.

نبّهت ستريكر، أنه يتعيّن على الولايات المتحدة أن تردع المزيد من الاستفزازات الإيرانية الآن لمنع الوضع من الخروج عن نطاق السيطرة، واتخاذ عدة خطوات محددة، مثل إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على برامج الصواريخ والطائرات من دون طيار الإيرانية، وإعادة فرض العقوبات النفطية، وإعادة تجميد الأموال الإيرانية، وإلحاق أضرار جسيمة بوكلاء إيران، وتكرار التهديد الحقيقي بتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

وشددت الباحثة الأميركية على أنه ليس من الضروري أن تتصاعد الحرب في غزّة إلى حريق إقليمي في الشرق الأوسط، "وإنما هذا سيتطلب من الولايات المتحدة الاستعداد لوقف أنشطة النظام الإيراني المزعزعة للاستقرار في الإقليم، ويجب على بايدن ألا يتأخر أكثر في استعادة الردع الأميركي ضد خطط إيران الخبيثة"، بحسب تحليلها.

أما تشاك ديفور، المدير التنفيذي لمؤسسة تكساس للسياسة العامة، وضابط استخبارات متقاعد بالجيش الأميركي، ومساعد خاص للشؤون الخارجية في وزارة الدفاع من عام 1986 إلى 1988، فأوضح لـ"بلينكس" أن السياسة الخارجية الأميركية ظلّت تتعامل مع إيران متأثرة بعدة افتراضات خاطئة، وهو ما جعل الولايات المتحدة تدفع الثمن في أزمة غزّة الحالية.

وقال: "يجب تصحيح هذا الوضع والتعامل مع أي خريطة طريق لعودة الهدوء في المنطقة عبر إيران نفسها".

وأضاف ديفور: "لقد تعاملت الولايات المتحدة تقليدياً مع إيران بوصفها لاعباً عقلانياً داخل النظام الإقليمي والدولي، وهي مغالطة ألقت بظلالها على صياغة السياسات الأميركية تجاه المنطقة".

وتابع مساعد البنتاغون السابق بالقول إن "مهمة إيران الأيديولوجية منذ ثورة 1979، كانت تهدف إلى ترسيخ الهيمنة من خلال شبكة من الوكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط"، داعياً إلى ضرورة إعادة تقييم موقف واشنطن بشأن إيران، لا سيما مع الأزمات الكبرى التي يتعرّض لها الشرق الأوسط.

ونبّه ديفور، إلى أن محاولة واشنطن لحل الأزمة ومنع التصعيد الإقليمي تفتقر إلى الفهم الدقيق لعلاقة إيران مع حماس، مضيفاً أنه من خلال سوء فهم التحالف بين إيران وحماس، فمن المرجح أن تتعثر الجهود الأميركية في غزّة، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم الاضطرابات الإقليمية.

نبّه المسؤول السابق بالبنتاغون، إلى أنه على الرغم من تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة، عبر البحرية الأميركية ومجموعات حاملات الطائرات التابعة لها في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن تركيز هذا الانتشار العسكري كان على أغراض التوسع الإيراني -حزب الله وحماس- وليس على إيران نفسها.

وتابع، لقد أثبت التاريخ، من خلال عملية "Praying Mantis" التي نفذتها البحرية الأميركية في عام 1988، أن العمل المباشر ضد إيران يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة. وقد أدت هذه العملية إلى تقليص قدرات إيران البحرية، وكان لها تأثير تحذيري على طموحاتها الإقليمية.

وشدد ديفور، على أنه لا بد أن تتطور السياسة الأميركية في التعامل مع إيران إلى ما هو أبعد من إطارها العتيق، ومن خلال التعامل مع إيران بصورة مباشرة، والاعتراف بدوافعها الأيديولوجية، والاستفادة من نقاط الضعف الاقتصادية.

وقال إن "اتباع نهج أكثر مباشرة ومتعدد الأوجه في التعامل مع إيران من شأنه أن يعزّز ليس فقط الاستقرار الإقليمي، وإنما العالمي أيضاً".