سياسة
.
قبيل اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء المحاصر، أعطى البيت الأبيض والبنتاغون الأميركي غطاءً دعائياً ودعم المزاعم الإسرائيلية بأن المجمع الطبي الرئيسي في غزة يحتوي على مركز قيادة عمليات ميدانية لحركة حماس وسلسلة معقدة من الأنفاق الرئيسية ويتواجد به بعض الرهائن الذين اختطفتهم حماس وغيرها من الفصائل في السابع من أكتوبر.
ولإضفاء الشرعية على هذا الادعاء، قالت الحكومة الأميركية إنها استندت لمعلومات استخباراتية خاصة بها، جمعتها بشكل مستقل عن إسرائيل ولم تعتمد على الرواية الإسرائيلية، فمن هي هذه المصادر؟ وعلى أي أساس تبني واشنطن روايتها؟
قال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض، الخميس، إن الولايات المتحدة لن تكشف أي معلومات استخباراتية إسرائيلية أو توضح تفاصيل تقييم أجهزة مخابراتها الذي يفيد بأن حركة "حماس" استخدمت مستشفى الشفاء في غزة كمركز قيادة وربما كمنشأة تخزين.
وأوضح أن الولايات المتحدة واثقة من تقييم مخابراتها بخصوص أنشطة حركة حماس في مستشفى الشفاء. ورفض التوضيح أو الإدلاء بتفاصيل بخصوص الأيام الماضية.
وذكر مصدر مطلع لرويترز أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لن ترفع السرية عن مصادر الاستخبارات الأميركية "لأن بعض هذه القنوات نفسها تُستخدم لمراقبة وضع الرهائن".
وذكر المصدر للوكالة أن المعلومات الاستخباراتية "قاطعة" وتشمل اتصالات جرى اعتراضها بين مقاتلي حماس. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من نشر خبرا بشأن هذه الاعتراضات، الأربعاء.
الآن، وبعد أكثر من يوم على اقتحام الجيش المستشفى وتفتيشه واستجواب المتواجدين فيه واعتقال العشرات منهم، لم يُعثر على أي مراكز قيادة أو رهائن بعد، وكل ما زعم الجيش العثور عليه لا يتخطى 10 أسلحة رشاشة يشكك العديد في أنها كانت متواجدة في المشفى، ما دفع بمسؤول إسرائيلي إلى الإقرار أنهم كان لديهم علم مسبق بأن المستشفى لا يحتوي على رهائن.
مستشفى الشفاء أصبح بؤرة الأحداث الرئيسية في الأيام الماضية، بعد أن أحاطته دبابات الجيش الإسرائيلي وقطعت الماء والغذاء والوقود والدواء عنه وفرضت حصاراً شاملاً يمنع دخول أو خروج أي شخص أو مركبة إسعاف منه.
كما قصف الجيش الإسرائيلي المستشفى بعدة قذائف من الدبابات قتلت نحو 7 نازحين، بالإضافة لقطع الأطفال الخدج عن الحضانات الضرورية لبقائهم على قيد الحياة بعد نفاذ الوقود وقصف إسرائيل لألواح الطاقة الشمسية أعلى المستشفى.
إصرار إسرائيل الكبير على اقتحام المستشفى بررته بالقول إنه ما تخفيه جدران المجمع الطبي هو أخطر مراكز حماس القيادية وأخطر الأنفاق. لكن المسؤول الإسرائيلي الرفيع الذي أقر أنهم كانوا على علم مسبق بعدم وجود الرهائن داخل المستشفى أضاف بأن هدف الاقتحام الرئيسي كان "رمزياً للقول إنه لا يوجد مكان لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه".
بمعنى إيصال رسالة لسكان القطاع بأكملهم بأنه لا يوجد مكان آمن لا يستطيعون الاختباء فيه، لأن المستشفيات عادةً تعتبر أكثر المنشآت حماية وأماناً في أوقات الحروب.
مزاعم الحكومة الأميركية حول مستشفى الشفاء هي أنها تمكنت من اعتراض مكالمات بين مقاتلين في داخل المستشفى وأن ذلك شكل جزءً من الأدلة التي استندت عليها للقول إن جماعتي حماس والجهاد الإسلامي يستخدمون مجمع الشفاء الطبي "لإخفاء ودعم عملياتهم العسكرية واحتجاز الرهائن". لكن كيف تمكنت من اعتراض تلك المكالمات المزعومة؟
قد تكون الإجابة على ذلك في طائرات الاستطلاع الأميركية المسيرة عن بعد والتي تحلق في سماء غزة منذ بدء الحرب. الأميركيون في البداية رفضوا الإفصاح عن هذا الأمر، لكن بعد تسرب صور لمسارات الطائرات وأدلة أخرى تشير لوجودها في سماء القطاع، أقر مسؤولان في وزارة الدفاع الأميركية لصحيفة نيويورك تايمز بأنهم يقومون بتشغيل تلك المسيرات للمساعدة في البحث عن الرهائن.
الصحيفة قالت إن تلك المسيرات هي من طراز MQ-9 Reapers ولا توجد لدى إسرائيل مثلها، وقد استخدمتها الولايات المتحدة في العراق وسوريا وأفغانستان. وأضاف التقرير أن هناك 6 مسيرات أميركية على الأقل في سماء غزة للقيام بمهام المراقبة والاستطلاع والبحث عن أي إشارات حيوية.
هذه تعد المرة الأولى التي تقر فيها الحكومة الأميركية باستخدام طائرات مسيرة في غزة، وقد يكون هناك استخدام لتلك الطائرات في رصد المكالمات والاتصالات الصوتية.
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، استعملت بعض الحكومات الغربية وأبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا القواعد العسكرية في قبرص لإرسال طائرات ومعدات حربية لإسرائيل، لتصبح قبرص القاعدة الأهم إقليمياً لتلك الأنشطة.
لكن قبرص أيضاً لها شهرة في عمليات التنصت والمراقبة على منطقة الشرق الأوسط، فهي تحتوي على قاعدة آئیوس نیکولاوس التي تستعملها الولايات المتحدة وبريطانيا عادةً للقيام بمهام اعتراض إشارات الاتصال وتجسس على المكالمات والأنظمة الرقمية. وقد سبق أن استخدمتها أميركا للتجسس على الفلسطينيين في الماضي، وخاصة في عهد منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينات.
وكرر البنتاغون الأميركي والبيت الأبيض هذا الادعاء في اليوم الذي سبق اقتحام الجيش للمستشفى وقصف مستودعها الطبي وتدمير أجزاء كبيرة في عدة مباني، وأسر عشرات النازحين منه.
وبعد أكثر من يوم من البحث، لم يعثر الجيش على أي رهائن أو أنفاق أو مقرات لحماس، وكان كل ما ادعى العثور عليه مجرد 10 أسلحة رشاشة.
لكن المثير في الادعاء الأميركي هو قول إدارة بايدن إنها استندت لمعلومات استخباراتية خاصة بها، جمعتها بشكل مستقل عن إسرائيل ولم تعتمد على الرواية الإسرائيلية.
في السفارة الأميركية في إسرائيل، وقسم الشؤون الفلسطينية التابع لها (الذي كان قنصليةً مستقلة في القدس الشرقية قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب)، يوجد عادةً أقسام وتخصصات مختلفة للطاقم الدبلوماسي، مثل مسؤول ملف السياسة في غزة أو مسؤول ملف حقوق الإنسان ومسؤول ملف الاقتصاد.
مهمة الموظفين التابعين لوزارة الخارجية الأميركية هي إعداد تقارير وملخصات دورية ومستمرة حول الأوضاع على الأرض، ليتم رفعها لوزير الخارجية أنتوني بلينكن والذي بدوره قد يرفعها للرئيس الأميركي. هذه أحد فروع المعلومات التي تغذي مكتب الرئيس ومجلس الأمن القومي، فالأجهزة المختلفة للدولة مثل جهاز المخابرات المركزي تقوم أيضاً بجمع معلوماتها الخاصة وإيصالها للرئيس.
لجمع المعلومات، يقوم موظفو القنصلية أو السفارة بمراقبة الأخبار المحلية ومصادر المعلومات المختلفة عن كثب، وعقد اجتماعات مع شخصيات مختلفة سواء من داخل الحكومة الرسمية أو المجتمع المدني أو الإعلام، بالإضافة لمراقبة السوشال ميديا والمشاركة في أنشطة ميدانية كالمؤتمرات والندوات الحوارية.
ويعطي الطاقم الدبلوماسي اهتماماً كبيراً بما يدور خلف كواليس جميع الفصائل الفلسطينية إلى أدق التفاصيل، حتى وإن لم يكن هناك اتصال مباشر مع بعض تلك الحركات مثل حماس، بحكم وضع أميركا لها على القائمة السوداء. وقد تستخدم الخارجية الأميركية ما يعرف بمسار الدبلوماسية الثاني، وهو الاستعانة بأشخاص مقربين من حماس لكن ليسوا أعضاءً فيها لمعرفة ما يدور في أذهان قادة الحركة.
ديف هاردن عمل مديراً لفرع منظمة USAID الحكومة الأميركية في الأراضي المحتلة، وهي منظمة إغاثية تنموية تستخدمها الحكومة الأميركية فيما يسمى بمعركة "كسب العقول والقلوب" عبر إنشاء مشاريع تنموية أو تقديم المساعدات المختلفة للشعوب المستهدفة.
لكن بطبيعة الحال، المنظمة مطلوب منها التأكد من عدم وصول معوناتها لأي فلسطيني ينتمي لحركة حماس أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية وغيرها من الفصائل المصنفة "إرهابية".
لذلك، تقوم المنظمة بجمع معلومات عن المستفيدين من مشاريعها ومساعداتها سواء عبر طاقمها أو عبر المنظمات الأهلية الشريكة، وهو ما انتقده العديد من الخبراء لجعل المنظمة مهمة استخباراتية أكثر من كونها منظمة إغاثية تنموية.
قبيل اقتحام إسرائيل لمستشفى الشفاء، غرد ديف هاردن بأنه "عندما كنت في مقعدي، كان هناك شك/فهم على نطاق واسع منذ عام 2014 أن حماس تستخدم مجمع مستشفى الشفاء كمركز قيادة وقاعدة للعمليات". وأضاف بأنه لا يوجد لديه شخصياً دليل على ذلك، وإنما سمع ذلك من قبل "الفلسطينيين والإسرائيليين الموثوق بهم".
بالطبع، لأجهزة المخابرات الأميركية في الأراضي الفلسطينية المحتلة متعاونين ومخبرين ومصادر معلومات على الأرض يستعينون بهم لجمع المعلومات الاستخباراتية.
وهذا ليس بالأمر الجديد، علي حسن سلامة أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية كان على صلة بجهاز المخابرات الأميركية CIA في سبعينات القرن الماضي بهدف فتح قنوات اتصال سرية خلفية مع المنظمة التي اعتبرتها أميركا "منظمة إرهابية".
صحيفة جيروزاليم بوست قالت إن المخابرات الأميركية رتبت لسلامة وزوجته جورجينا رزق رحلة شهر عسل لمدينة ديزني الترفيهية. لا يعني ذلك أن يكون سلامة عميلاً لجهاز CIA بالضرورة، لكن الجهاز اعتبره asset أو كنز ثمين.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة