سياسة
.
باتت لعنة الحرب تطارهم أينما ذهبوا. اعتقد لاجئون أوكرانيون فروا من الحرب في بلادهم إلى إسرائيل أنهم باتوا في أمان، لكن لم يمض سوى عام ونصف تقريبا، حتى ذاقوا ويلات حرب أخرى أكثر شراسة في ٧ أكتوبر.
فكيف يعيش الأوكرانيون اللاجئون في إسرائيل، وماذا يفعلون الآن؟
اعتقدت الأوكرانية، تاتيانا بريما، أنها تركت انفجارات القنابل خلفها عندما فرت من بلادها منذ أكثر من عام ونصف بعد أن دمرت روسيا مدينتها، ماريوبول.
وانتقلت المرأة، البالغة من العمر 38 عاما، برفقة زوجها المصاب وابنتها الصغيرة إلى ما اعتقدته "بر الأمان" في جنوب إسرائيل.
لكن الهدوء النفسي الذي كانت تستعيده ببطء تحطم مرة أخرى بسبب الهجوم.
وقالت "أصوات الحرب التي نسمعها الآن تكون في بعض الأحيان بمثابة الضغط على الزناد الذي يعيد ذكريات ما مررنا به في ماريوبول. من الصعب الشعور بأنك مسؤول عن طفلة، هي الوحيدة الذي تريد حياة أفضل لها، لكني خذلت طفلتي بطريقة ما".
ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير عام 2022، لجأ أكثر من 45 ألف أوكراني إلى إسرائيل، بحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، ومنظمات إغاثية.
يعيش عدد هائل من الأوكرانيين جنوبي إسرائيل حيث يوجد مجتمع كبير ناطق بالروسية، وغالبا ما تكون أسعار إيجارات المنازل هناك أقل مقارنة بالمدن المركزية الأكبر.
ومثل بريما، كان معظمهم يلملمون شتات حياتهم، ويحاولون التكيف مع نشوب الحرب في إسرائيل.
غادر بعض اللاجئين الأوكرانيين إسرائيل، لكن بقي كثيرون منهم، رافضين الفرار من الحرب مرة أخرى. فقد معظمهم الأمل في لم شملهم مع أحبائهم الذين تركوهم خلفهم. ولكن اضطر بعض الأوكرانيين للانتقال إلى وسط إسرائيل منذ بدء الحرب.
ويوجد حوالي 100 طفل كانوا يحتمون في منزل يهودي بعسقلان فروا بعد وقت قصير من هجوم إلى وسط البلاد، بحسب يائيل إيكستين، الناشط في جمعية الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود الخيرية التي يتركز نشاطها على دعم الأطفال.
كانت هذه المرة الثانية التي يجبرون فيها على ترك منزلهم خلال أقل من عامين، حيث فروا من مدينة قريبة من العاصمة الأوكرانية، وتم إجلاؤهم إلى إسرائيل خلال الأسابيع الأولى من الحرب.
هناك أيضا أوكرانيون محاصرون في مستوطنات غلاف غزة، وتم إجلاء 160 منهم حتى الآن، حسبما أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق.
استيقظت بريما في ٧ أكتوبر على صوت صفارات الإنذارات في مدينة عسقلان الساحلية، على بعد بضعة كيلومترات فقط من قطاع غزة. وتقول إن ما شهدته في إسرائيل ذكرها بالصباح الذي عشته ذات يوم في ماريوبول وغير حياتها للأبد.
كانت ماريوبول واحدة من أكثر المدن تضررا في أوكرانيا، حيث تعرضت للحصار والقصف لأسابيع، وكان السكان يبحثون عن الغذاء والماء ووسائل التدفئة، بالإضافة لانقطاع الاتصالات.
”خلال الأسابيع الأولى من الحرب، كنت أطهو الطعام على الحطب، وأذيب الثلج لأحصل على مياه الشرب، وقمت بالاحتماء لدى عشرات من أقاربي في ضواحي المدينة”.
لكن القصف اشتد وتساقطت الصواريخ حولهم، وعندما قطعت يد زوجها خلال محاولته جلب الماء، قررت الرحيل.
وقالت ”كان ذلك اليوم بمثابة السقوط في الجحيم”. انضمت العائلة لقافلة سيارات هاربة من المدينة، حيث شاهدت جثثا على الأرض والدمار الناجم عن الغارات الجوية.
مرت العائلة عبر نقاط تفتيش روسية لا تحصى طوال الطريق، ووصلت إلى إسرائيل بحلول إبريل عام 2022، حيث يعيش بعض أقارب الزوج بمدينة عسقلان.
اعتاد سكان عسقلان على إطلاق الصواريخ من غزة بين حين وآخر، لكن الرشقات تصاعدت خلال الحرب.
وباتت أصوات صفارات الإنذار تسمع بشكل مستمر.
وفي حين تعترض منظومة القبة الحديدية معظم الصواريخ، فقد سقط حوالي 80 صاروخا منذ بداية الحرب على مناطق مأهولة بالسكان أو داخل حقول فارغة، وهي نسبة الثلث من إجمالي عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس على إسرائيل، حسبما أفاد مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، وهو منصة مستقلة لجمع البيانات وتحليلها ورسم خرائط الأزمات.
ربما تذكر أصوات القصف بريما بمعاناتها في أوكرانيا، لكنها تحاول الصمود عندما تتحدث عن الحرب الدائرة حاليا، حيث أنها مقتنعة بأن الجيش الإسرائيلي ومنظومة القبة الحديدية سيحميان عائلتها.
تقول بريما إن الحرب زادت من حدة مشاعر العزلة لديها.
انتقلت مقابلات الدعم المجتمعي التي كانت تحضرها بريما إلى الإنترنت، حيث تقتصر التجمعات المباشرة على البنايات التي بها ملاجئ تحمي من الصواريخ بسبب التهديدات.
يقول الدكتور كوين سيفيننانتس، أخصائي الصحة العقلية والذي عمل في مناطق شهدت نزاعات، ”هناك قدر هائل من اليأس في نفوس هؤلاء الأشخاص، لقد تتسبب الأحداث الحالية في إصابتهم بالاكتئاب والقلق”.
عدلت منظمات تتعامل مع اللاجئين بعض برامجها، وصارت تقتصر على مساعدات مادية، وجلب بعض الطعام للأشخاص الذين لا يشعرون بالأمان عند مغادرة منازلهم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة