ماذا يعني فوز خيرت فيلدرز في انتخابات هولندا لأوروبا ومسلميها؟

برنامج خيرت فيلدرز السياسي مليء بالتناقضات. فمن جهة، يسعى لحظر كل معالم الدين الإسلامي في هولندا مثل القرآن والمساجد والمدارس الإسلامية وارتداء الحجاب في المنشآت الحكومية، وينادي بإيقاف قبول أي طالب لجوء، وتشديد قواعد الحصول على الجنسية الهولندية ومنع ازدواجية الجنسية وسحب الجنسية من أي شخص مدان بجنحة أو جناية وطردهم من البلاد.

وينادي أيضا بتوظيف 10 آلاف ضابط شرطة إضافي وتشريع الحبس الاحتياطي من دون تهم أو محاكمة لأي شخص يشتبه بدعمه الإرهاب، ومحاكمة الأطفال بعمر 14 عاما في المحاكم الجنائية. معظم تلك الأفكار تعارض الدستور الهولندي الأساسي وميثاق الاتحاد الأوروبي ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لكن في الوقت نفسه، توعد فليدرز بوضع حماية مضاعفة لحقوق الحيوانات وإنشاء خدمة إسعاف وطني للحيوانات وتطبيق أحكام أكثر صرامة لمن يسيئون معاملة الحيوانات.

أحد أبرز وعود فيلدرز هي سحب اعتذار هولندا الرسمي عن ارتكابها جرائم العبودية وإنهاء "كراهية اليسار لأبطالنا التاريخيين" المتهمين بالعنصرية أو جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية مثل تجارة الرق.

ويريد فيلدرز أيضا وقف الإعانات الفنية والثقافية كافة، وإيقاف تمويل هيئة الإذاعة العامة NPO بشكل تامّ لاعتقاده أنّ تلك الفنون والمحطات الإعلامية انحرفت نحو اليسار.

في الوقت نفسه، يريد فيلدرز استعادة شخصية "Zwarte Piet" أو بيتر الأسود، وهي شخصية خيالية تعد مساعد سانتا كلوز أو "بابا نويل"، وأثارت اللغط حول العنصرية.

ففي كل عام، في احتفالات الكريسماس في شوارع هولندا يخرج العديد من الرجال والنساء البيض وقد دهنوا وجوههم باللون الأسود، ووضعوا شعرا مستعارا مجعدا أسود اللون وهم يؤدون رقصات استعراضية هزلية.

في عام 2021، تم استبدال الشخصية العنصرية بشخصية Sooty Piet يقوم بتمثيلها أشخاص بيض بلون بشرتهم الطبيعي.

أما فيلدرز، فكان قد أدين شخصيا بتهمة التحريض العنصري في عام 2017، بعد إطلاقه تصريحات عنصرية تجاه المغاربة في هولندا ودعوته التخلص منهم. ولكن القاضي لم يحكم عليه بأيّ عقوبات رغم الإدانة.

مثل سائر السياسيين الشعبويين في الغرب، يصور فيلدرز نفسه وأجندته السياسية بأنها مسعى لجعل هولندا عظيمة مرة أخرى وجعلها "الرقم 1".

ولتحقيق هذا المسعى، وعد زعيم حزب PVV بإجراء استفتاء شعبي على الخروج من الاتحاد الأوروبي أسوة ببريطانيا لاستعادة "سيادة هولندا"، ووعد بإيقاف أي أموال تذهب من هولندا للاتحاد الأوروبي لحين إجراء الاستفتاء.

ونادى كذلك بمنع حرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي للأيدي العاملة، وفرض شروط تأشيرة مسبقة للبعض، وهو ما يتعارض مع فكرة الاتحاد الأوروبي التعاونية في الأصل ومبدأ منطقة الشنغن.

ويضم برنامجه الانتخابي أيضا وعدا بقطع المساعدات الخارجية كافة التي تقدمها هولندا عبر برامج التعاون الدولي والتنمية والإغاثة. ويريد فيلدرز إيقاف الدعم العسكري لأوكرانيا أيضا.

كلّ ذلك يجعل فيلدرز "كابوس الاتحاد الأوروبي الأسوأ" بحسب صحيفة بوليتيكو.

علاوة على ذلك، يود فيلدرز إبقاء محطات توليد الطاقة بالفحم والغاز مفتوحة، ورفع وتيرة استخراج الغاز من بحر الشمال، وزيادة استخدام الطاقة النووية.

يريد أيضاً التوقف عن محاولة خفض ثاني أكسيد الكربون والانسحاب من اتفاقيات المناخ، وعدم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح أو الألواح الشمسية.

رئيسة حزب الشعب للحرية والديمقراطية اليميني، ديلان يشيلجوز-زيجيريوس، هي هولندية تركية الأصل مولودة في أنقرة. حزبها هو ثالث أكبر الأحزاب الفائزة في انتخابات الخميس بواقع 24 مقعدا بحسب النتائج الأولية.

يعتبر حزبها المحافظ الذي حكم البلاد لـ٤ فترات متتالية هو الأوفر حظا بتشكيل حكومة مع فيلدرز وحزب العقد الاجتماعي الجديد برئاسة بيتر أومتزجت والذي ينتمي ليمين الوسط.

ثلاثتهم معا لديهم نحو 81 مقعدا في البرلمان وهو ما يكفي لتشكيل الحكومة.

أومتزجت، استبعد خلال الحملة الانتخابية العمل مع حزب فيلدرز اليميني المتطرف بسبب خططه المناهضة للدستور بحظر المدارس الإسلامية والمساجد والقرآن.

لكن عشية صدور النتائج الأولية للانتخابات، غيّر أومتزجت من حديثه وقال "نحن جاهزون للحكم. وهذه نتيجة صعبة. سنناقش الطريقة التي يمكننا من خلالها المساهمة بشكل أفضل".

يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه فيلدرز إنه سيوقف التحدث عن إغلاق المساجد وحظر القرآن الآن لمعرفته بأن ذلك لا يتوافق مع الدستور.

الأمل هنا عند حزب المحافظين برئاسة يشيلجوز-زيجيريوس، لأن مبادئ فيلدرز تستهدفها شخصيا كونها مواطنة تركية الأصل. فزعيم الحزب اليميني المتطرف يريد منع ازدواجية الجنسية وطرد تركيا من حلف الناتو، ومنع إصدار أي منشورات حكومية باللغة التركية أو العربية، وإسقاط الجنسية عن أي شخص مدان بجنح أو جنايات.

فيلدرز عاش في إسرائيل لمدة عامين خلال فترة شبابه، وزار البلاد 40 مرة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.

يقول السياسي الهولندي شديد التطرف بأنه زار "العديد من البلدان المثيرة للاهتمام في الشرق الأوسط" مثل سوريا ومصر وتونس وتركيا وقبرص وإيران، ولكنه فقط شعر بالتضامن بشكل مميز في كل مرة هبط فيها في مطار بن غوريون".

فيلدرز يؤمن بأن إسرائيل هي "خط الدفاع الأول للغرب" ضد ما يعتبره تهديداً يشكله الإسلام، وينظر للصراع من منظور عقائدي أيديولوجي كصراع بين "الغرب المتحرر" و"الإسلام البربري".

ويعد أيضاً من المطالبين بشكل قوي بنقل السفارة الهولندية للقدس والاعتراف بها كعاصمة الأبدية لإسرائيل. ويرى بأن وطن الفلسطينيين القومي يجب أن يكون الأردن وأن على الحكومة الهولندية مطالبة الأردن من الآن فصاعداً باسم فلسطين.

القناة التلفزيونية العامة الهولندية Nederland 2 نقلت أن العديد من الأميركيين الداعمين لإسرائيل يدعمون حزب فيلدرز مالياً ويوافقون علناً على رسالته تجاه الإسلام و"الإرهاب الإسلامي" على حد تعبيره.

بمجرد صدور النتائج الأولية للانتخابات الهولندية، تلقى فيلدرز سيلاً من المديح والتهاني والإشادة من قبل سياسي اليمين المتطرف في أوروبا.

"رياح التغيير هبت. تهانينا لخيرت فيلدرز على فوزه في الانتخابات الهولندية" هكذا قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وكتبت زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبان، التي تقود حزب التجمع الوطني، على موقع X: "تهانينا لفيلدرز وحزب من أجل الحرية على الأداء المذهل في الانتخابات التشريعية الذي يؤكد الارتباط المتزايد بالدفاع عن الهويات الوطنية".

كما هنأ الزعيم اليميني الإيطالي ونائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني فيلدرز قائلاً "تهانينا لصديقنا فيلدرز، زعيم حزب من أجل الحرية والحليف التاريخي للرابطة، على هذا النصر الانتخابي الاستثنائي. إن أوروبا الجديدة ممكنة".