"""حدود مرسومة بالدولار"".. قصص تنقل سوريين داخل بلدهم"

قبل أسبوعين وصل السعيد مع أمه وأبيه إلى مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، قادماً من مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام السوري، من أجل رؤية أخيه الثاني، بعد انقطاع دام لـ8 سنوات.

ونادراً ما تنكشف آلية العبور بين هاتين المنطقتين، ويراها كثيرون صعبة، لكن قصة الشاب السوري تعطي صورة مختلفة لذلك المشهد، موضحاً أن "الطريق كله تطلّب دفع مبلغ 1000 دولار على 3 نقاط"، كما أخبره المهرّب أولاً.

من مدينة حمص وسط البلاد إلى ريف حلب الشمالي أخذ الطريق وقتاً مقداره 6 ساعات، ووفق السعيد فإن المبلغ الذي دفعه لم يكن لحساب "المهرّب" فقط، بل تم تقسيمه على الحواجز العسكرية الموجودة على الطرقات، حتى حدود مدينة الباب التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة.

وبعدما وصل الشاب السوري مع عائلته إلى مدينة الباب، اضطر إلى دفع مبلغ قيمته 200 دولار لعسكريين على حاجز يقع عند "النقطة صفر"، حسب قوله.

ولا تفرض سلطات الأمر الواقع رسوماً مالية رسمية للتنقل بين مناطق سيطرتها داخل سوريا.

ومع ذلك يشير الشاب إلى أن "حالة من غض النظر"، وأن "الأموال ودفعها يشي بوجود سياسة شبه رسمية أو تغاضٍ لمصالح رجال أمنيين كبار".

حالة الشاب محمد تختلف قليلا ببعض التفاصيل عن يسرى الصالح، وهي سيدة سورية زارت بلدها مؤخراً قادمة من تركيا، وتقول إن "بداية الجباية كانت بدفعها 400 دولار أميركي لسمسار أمّن لها ولطفليها إذن خروج من تركيا إلى سوريا".

وتضيف الصالح لبلينكس أنها دخلت إلى سوريا حيث مناطق سيطرة فصائل المعارضة عبر معبر "باب السلامة"، وانتقلت في ذات اليوم إلى معبر "عون الدادات" في ريف حلب قاصدة مدينة الرقة لرؤية أهلها، بعدما مرت 8 سنوات على آخر لقاء بينهما.

تشرح السيدة أن "حاجزاً يتبع فصائل الجيش الوطني بقي يراوغ إلى أن حصل على 150 دولار أميركي لقاء السماح لها بالخروج من مناطق سيطرتهم إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية".

وحين وصولها إلى أول حاجز عسكري لـ"قسد" فرض عليها بشكل مباشر 200 دولار أميركي للسماح لها بالدخول إلى المنطقة، كون هذه العملية "تحتاج إذن زيارة مسبق من قبل ما يعرف بالإدارة الذاتية".

"رحلتي من تركيا إلى الرقة كلفتني 750 دولارا"، وتتابع السيدة أنها "حاولت طيلة السنوات السابقة زيارة أهلها لكنها أيقنت أن الجميع يحتاج إلى الأموال"، وأن "السلطات المختلفة لا تحقق أصلا في هوية القادم".

"ما يهم السلطات المتنوعة هو المال ولا شيء آخر"، حسب تعبير الصالح، بينما وصفت رحلتها "وكأنها إلى نيويورك".

لا تنحصر قضية اضطرار السوريين على دفع الأموال على الحدود الداخلية بين مناطق النفوذ، بل تنسحب إلى أولئك الموجودين في خارج البلاد ويريدون الدخول إليها بقصد الزيارة.

الشمال السوري أو المناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني" وتحديداً في شرق حلب لم تكن بعيدة عن "التحصيل بالدولار"، حيث أعلن عدد من المجالس المحلية مطلع أكتوبر الماضي فتح باب إجازات "مأجورة" للسوريين المقيمين في تركيا والراغبين بزيارة الشمال السوري.

وبقيت رسوم الزيارة تختلف يومياً إلى أن حددتها المجالس المحلية بـ 200 دولار أميركي للشخص الواحد بغض النظر عن عمره.

اللاجئ السوري في تركيا عمران العبد الله سجّل اسمه لزيارة سوريا، ودفع 800 دولار أميركي للمجلس المحلي في مدينة جرابلس من أجل دخول شمال سوريا مع عائلته.

ويقول لبلينكس "خيارات زيارة سوريا صعبة"، وإنه "اضطر إلى ذلك لأن القانون التركي لا يخول اللاجئ السوري الدخول إلى بلاده إلا إذا تخلى عن حق الحماية المؤقتة".

يعتبر العبد الله الرسوم التي فرضت "عملية تشليح باسم القانون واستغلالا لحاجة اللاجئين السوريين في تركيا".

لكنه يضيف أنه لم يرَ أمه منذ أن غادر دير الزور التي ينحدر منها عام 2018، ووجد بالإجازة التي أعلنت عنها المجالس المحلية "فرصة لرؤية والدته دون تخليه عن بطاقة الحماية المؤقتة".

يعبّر العبد الله عن مخاوفه عن مسألة عودته إلى تركيا بعد انتهاء الإجازة، حيث لا يوجد قانون رسمي تركي بهذا الصدد، ومع ذلك يشير إلى أنه تلقى "تطمينات من المجلس المحلي في جرابلس بأن العودة مضمونة والأمور تم تنسيقها بشكل كامل مع السلطات التركية في ولاية غازي عنتاب".

إعلان المجالس المحلية عن الإجازات دفع "الائتلاف الوطني السوري" للتبرؤ من قرار المجالس المحلية الذي انتقده خلال اجتماع له في داخل سوريا، قبل أيام قليلة.

وطالب "الائتلاف" بتشكيل لجنة لمتابعة تجاوزات المجالس المحلية، وإعلانها عن زيارات مأجورة دون الرجوع إلى "الحكومة المؤقتة"، كما تبرأ من الإجازات المأجورة التي أعلن عنها.

وأوضح الناشط السياسي أحمد حسون أن قرار المجالس المحلية "أقل ما يقال عنه إنه معيب".

واعتبر في حديث لبلينكس أن "المجالس تريد أن تحصّل على أموال لموظفيها من جيوب آلام السوريين في تركيا"، داعياً إلى "التظاهر أمام هذه المجالس لإلغاء عملية الجباية الجديدة التي تستغل حاجة اللاجئين إلى زيارة أهلهم في الداخل السوري"، حسب تعبيره.

وعن تفرد المجالس المحلية بالقرار اعتبر حسون أن "هذه المجالس تتبع للولايات التركية ولا تمتلك الحكومة المؤقتة أو الائتلاف الوطني أي دور فيها".