كيف تبدو الحياة في غزة خلال الهدنة؟

هذا المشهد الهادئ إلى جوار النيران، بمثابة فترة راحة وتأمل بالنسبة لقنيش في أوقات الهدنة المؤقتة، إذ إنه يعاني مثل غيره من سكان غزة من الخوف ومصاعب الحياة منذ اندلاع الحرب، فيقول: "بنعيش في أيام تهدئة، يعني بنسرق لحظات بنعمل شاي على النار في هذا الوقت".

وأضاف -وكان ضوء النار ينير وجهه-: "سمحت هذي الهدنة للناس إنه يصير عندهم جزء من التواصل الاجتماعي والاطمئنان على بعض".

ويعيش قنيش في بلدة خانيونس في جنوب قطاع غزة، إذ يحتمي عشرات الآلاف من الأشخاص في الخيام والمدارس ومنازل السكان بعد فرارهم من القصف العنيف في الجزء الشمالي من القطاع.

لكن الضربات الجوية أصابت أيضا الكثير من الأماكن في جنوب القطاع، وقال قنيش، إن حالة الرعب المستمرة وصوت الطائرات العسكرية والانفجارات جعلت من المستحيل قضاء أمسية هادئة، سواء في الداخل أو الخارج حتى بدأت الهدنة.

ورغم شعوره ببعض الراحة بعد فترة من الخوف والضجيج، فإن الوضع لا يزال بعيدا جدا عن الحالة الطبيعية بعد تعرّض منزله لأضرار بالغة بسبب إحدى الغارات. ويعتقد قنيش أن الحرب أعادت بعضا من أنماط الحياة التي كان يعيشها أجداده.

وقال: "منذ سنوات عدة فقدنا هذه القعدة، لكن حالة الحرب الاستثنائية اللي احنا فيها أعادت إلينا جزءا من التراث تبعنا وجزءا من الموروث الاجتماعي اللي كانوا أهالينا يعملوه".

وفي مكان قريب منه، هناك رجل يدفع دراجة هوائية وامرأة تحمل طفلا يتجولان جنبا إلى جنب في أحد الشوارع المظلمة، في حين أمكن سماع صوت الأذان بصورة خافتة من مسافة بعيدة.

وسلّطت المصابيح الأمامية لسيارة عابرة ضوءها على أكوام من الركام في الشارع، كاشفة عن كتابات على الجدران.

الحرب التي بدّلت ملامح يوميات قنيش وجيرانه نشبت بعدما انطلق مسلحون تابعون لحركة حماس من غزة في السابع من أكتوبر مهاجمين جنوب إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 آخرين، حسبما أعلنت إسرائيل.

وردا على ذلك، تعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس، وشنت هجوما ضاريا على غزة، أدى إلى مقتل نحو 16 ألف شخص، 40% منهم من الأطفال، وفقا للسلطات الصحية في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس.

كما أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية إلى تسوية جزء كبير من شمال غزة بالأرض وتشريد مئات الآلاف من الأشخاص، في حين تسبب الحصار في نقص المؤن الغذائية والمياه والأدوية والكهرباء وغير ذلك من الإمدادات.

وقال قنيش: "إلى متى؟ وبعدين؟ وشالحال؟ طب لا فيه كهربا، لا فيه غاز، لا فيه مياه. فيه شح في كل الاحتياجات الإنسانية".

بعد أن بدأت الهدنة، دخلت شاحنات المساعدات محملة بالوقود، و4 منها بالغاز المطلوب للتدفئة وطهي الطعام، فقد انقطع طوال أيام الحرب، وبعد دخوله تجمع السكان في طوابير ممتدة مصطحبين قوارير الغاز الفارغة، انتظارا لدورهم في ملئها.

خلال يوم الأحد، قال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، في بيان، إن 120 شاحنة مساعدات عبرت من مصر إلى غزة منها شاحنتان للوقود واثنتان لغاز الطهي.

بعد أيام القصف والحرب الطويلة، عاد الفلسطينيون لكسب أرزاقهم التي انقطعت نتيجة القصف الإسرائيلي، فقد عادت ماكينات عصر الزيتون تصدح بصوتها في القطاع مرة أخرى.

أبو فوزي أبو طه، أحد ملاك مجموعة من معاصر الزيتون، يقول إن الهدنة تمثّل فرصة للمزارعين للخروج إلى مزارع الزيتون، وهو دليل على عزيمة الفلسطينيين وهويتهم وعاداتهم.