بلستيا في مواجهة المؤتمرات.. هل خسرت إسرائيل "معركة الإعلام"؟

كل شيء كان هادئا في إسرائيل حتى صباح السبت الموافق ٧ أكتوبر الماضي، فخلال ساعات بدأت إسرائيل تعيد تنظيم صفوفها وتعلن عن أعداد القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين بعد هجوم حماس، وهو التعداد الذي بدأ بالمئات ليصل إلى حوالي ١٢٠٠ قتيل.

في اليوم التالي، تبدلت الآية إذ بدأت إسرائيل موجات متتالية من القصف على القطاع المحاصر استمرت حتى الـ ٢٤ من نوفمبر الجاري، وكلفت الهجمات الإسرائيلية غزة مايصل إلى ١٦ ألف قتيل بينهم الآلاف من الأطفال والنساء.

في البداية روعت هجمة حماس العالم من وجهة نظر محلل السياسية الخارجية ماكس بوت، وذلك في مقال نشره على صحيفة واشنطن بوست الأميركية، ولكن لاحقا أصبح رد الفعل الإسرائيلي هو مصدر الخوف، مع تزايد أعداد القتلى تحت القصف بين صفوف المدنيين، في وقت زعمت فيه إسرائيل أن حركة حماس تستخدمهم كدروع بشرية، في ذلك الوقت حاولت إسرائيل بلا فائدة أن تنقذ سمعتها الدولية من خلال السماح بدخول بعض المساعدات للقطاع، إلا أن اتهامات ارتكاب جرائم حرب في القطاع المحاصر ظلت تطاردها.

وظهر الشرخ في علاقة إسرائيل بالجمهور جليا وفقا لبوت خلال استطلاع رأي في تلك الفترة أجرته رويترز-إبسوس وأظهر أن ٦٨٪ من المشاركين يروا أنه على إسرائيل أن تلجأ للتفاوض وتدعو لوقف إطلاق النار.

في خضم الصراع على التعاطف الدولي لم تخسر إسرائيل وحدها، بل انتقص تأييد الرئيس باين المستمر لإسرائيل من أسهمه الشخصية إذ بدأت استطلاعات الرأي تشي بأن الناخبين الديمقراطيين غير راضين عن تعامله مع حرب عزة، خاصة هؤلاء الأصغر سنا، والذين أظهروا تعاطفا مع الجانب الفلسطيني من المعادلة، بحسب تقرير أعدته صحيفة جيروزاليم بوست وأكدت فيه أنه بينما كانت إسرائيل تحرز تقدما في ساحة المعركة، إلا أنها تخسر في معركة وسائل الإعلام.

في مقال له على صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، كان المحلل توماس فريدمان قد وصف عالم الشبكات الاجتماعية بأنه "الجبهة الثالثة" التي تخوض فيها إسرائيل معركتها، مؤكدا أن السرد السائد عن الأحداث أصبحت له "قيمة استراتيجية حقيقية".

في مقاله أيضا اعتبر فريدمان أن حماس تتلاعب بيسر بوسائل التواصل الاجتماعي، مما يعتبره أمرا مزعجا، خاصة وأن السرديات المطروحة تؤثر على قرارات الحكومات ومواقف الساسة.

تحاول إسرائيل سرد قصتها بشكل يومي من خلال مؤتمرات صحفية يحضرها كبار المسؤولين بملابسهم الرسمية ورسومهم التوضيحية، بينما يقدم السردية الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الشبان والشابات من قلب قطاع غزة، يبثون مشاهد الدمار والموت لجمهور المتابعين، مما يتمتع بقوة عاطفية "هائلة" حد تعبير المراسل الحربي ديفيد باتريكاراكوس لشبكة أي بي سي، إذ يقول: "من ناحية، لديك هذه الفتاة الصغيرة التي تروي قصة شخصية، ومن ناحية أخرى، لديك رجل في منتصف العمر يرتدي زيا رسميا على منصة يقدم إحصائيات، لا يوجد مجال للتنافس".

من بين النماذج التي يستشهد بها تقرير الشبكة الأميركية فيما يتعلق بالزخم الذي يخلقه الشبان الفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي، الصحفية الشابة بلستيا العقاد التي بثت بعض من يومياتها أثناء ممارسة العمل الصحفي في قطاع غزة المحاصر على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتقول الشبكة عن العقاد: "كثيرا ما تنشر العقاد خبرات مباشرة مع الحرب، بالإضافة إلى إظهار آثار الانفجارات، تأخذ بعض تلك اللقطات من شرفتها في شقتها في غزة. وفي منشور آخر حديث على تيك توك، يمكن سماع أصوات الانفجارات المرتفعة خارج شقتها".

مع بدء الهدنة في الـ٢٤ ظهرت بوادر معركة جديدة، لكنها ليست متعلقة بالتعاطف أو السردية الإسرائيلية مقابل الفلسطينية، ولكن الأسرى أنفسهم الذين يظهرون في كل مساء بمقاطع فيديو توثق من خلالها حركة حماس مشاهد تسليمهم للصليب الأحمر وفقا للاتفاق ما بين الطرفين.

في مقاطع الفيديو تلك يظهر بعض الأسرى في حالة استرخاء وسعادة، يتبادلون بعض الكلمات مع مقاتلي كتائب القسام، وبمجرد دخلوهم مركبات الصليب الأحمر، يلوحون لوداع عناصر القسام للمرة الأخيرة.

لا تعتبر وسائل إعلام إسرائيلية تلك المشاهد ن التبادل العفوي ما بين الطرفين، وإنما لقطات دعائية تعدها حماس، فيصف تقرير لصحيفة تايمز أوف إسرائيل تلك المشاهد معتبرا أنها محاولة من جانب حماس لإظهار أنها تعامل الأسرى "بطريقة إنسانية".