مئة عام من الدبلوماسية.. ماذا نعرف عن "ثعلب" السياسة الأميركية؟

في مايو من العام ١٩٢٣ ولد الدبلوماسي الأميركي، ولكن على الجهة الأخرى من الأطلسي بالتحديد في ألمانيا، إذ ولد لأسرة يهودية عانت مع معاداة السامية حتى قبل أن يُصك مصطلحها رسميا.

وبعد عدة سنوات تحت ضغوط الحكم النازي هاجرت الأسرة إلى مدينة نيويورك في الولايات المتحدة عام ١٩٣٨، وحصل كيسنجر الشاب على الجنسية الأميركية في العام ١٩٤٣.

لم يكن ذلك بالطبع آخر عهد الشاب ألماني الأصل بالقارة الأوروبية إذ عاد إليها في نفس عام حصوله على الجنسية الأميركية كجندي في الجيش، ونظرا لمعرفته بالألمانية عمل في وحدة الاستخبارات بفرقة مشاة مكلفة بالتعرف على النازيين بالتزامن مع تقدم الحلفاء على الجبهة الغربية.

بعد الحرب عادت الأمور إلى نصابها وعاد كيسنجر لدراسته، وحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة هارفرد في العام 1950 ثم الدكتوراه في عام 1954.

وكأستاذ جامعي خط كيسنجر أول كتبه في العام ١٩٥٧ بعنوان "الأسلحة النووية والسياسة الخارجية".

خلال عهد الرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون عمل كيسنجر في وظائف استشارية في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي بالولايات المتحدة، وفي أواخر الستينيات بدأ دعمه للرئيس ريتشارد نيكسون الذي عينه مستشارا للأمن القومي، وتجلت خلال الفترة شخصية المستشار الطاغية، لكنه لم يُصبح فعليا وزيرا للخارجية سوى في العام ١٩٧٣، ولمدة عامين احتفظ بمنصبي مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية معا.

في تلك الفترة بدأت أجندة كيسنجر في السياسة الخارجية تتجلى، إذ نظر المستشار نظرة مختلفة جهة الشرق، سواء بالنسبة للاتحاد السوفيتي أو الصين الشعبية، ذلك بالإضافة لمحاولات إنهاء الحرب في فيتنام.

وضع نيكسون نصب أعينه إنهاء الحرب في فيتنام "بشرف"، مهمة عسيرة وقعت على عاتق كيسنجر، الذي حاول تأمين النتيجة المطلوبة عن طريق الأمر سرا بتفجيرات في كمبوديا ولاوس على أمل أن تتسبب تلك الأزمات في قطع الإمدادات الحيوية عن هانوي، إلا أن بعض المؤرخين يقدرون خسائر تلك التفجيرات بمئات الآلاف من المدنيين.

إلا أن الفرق الدبلوماسية وصلت لاحقا لاتفاق وقف إطلاق النار خلال مفاوضات باريس في العام ١٩٧٣، وهو العام ذاته الذي تلقى فيه جائزة نوبل للسلام على نحو مثير للجدل خاصة وأن المفاوض الفيتنامي لي دوك ثو، رفض تلقي الجائزة.

قبل الدبلوماسي الداهية لم تعترف الولايات المتحدة بحكومة الصين الشعبية وأولت وجهها للفريق المهزوم في تايوان، ولكن في العام ١٩٧١ سافر كيسنجر إلى بكين في مهمة تدشين علاقات مع الصين الشعبية لأول مرة، مما مهد الطريق أمام زيارة نيكسون التاريخية أيضا.

ومع انفتاح واشنطن على بكين التي عانت من العزلة حتى ذلك الوقت، بدأت الصين تصعد كقوة تصنيعية كبرى حتي أنها أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

لم ينس كسينجر التغير الجذري الذي أحدثه في علاقات الولايات المتحدة والصين، حتى أنه زار الصين مؤخرا بعد عيد مولده المئة بأشهر قلائل والتقي بالرئيس شي جين بينغ وغيره من القادة الصينيين.

اهتم كيسنجر أيضا بالشرق الأوسط ولعب دورا هاما في محاولة إعادة إمداد إسرائيل بالأسلحة في أعقاب حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣.

ويُعزى إلى كيسنجر أيضا المساهمة في جعل مصر شريكا أمنيا للولايات المتحدة سبعينيات القرن الماضي.

في الفترة ذاتها انخرط الدبلوماسي الأميركي في المفاوضات العربية الإسرائيلية وأُطلق على جهوده في هذه الفترة "الدبلوماسية المكوكية" وذلك رجوعا لقيامه برحلات قصيرة متتابعة بين العواصم العربية لمحاولة فك الاشتباك القائم في المنطقة.