من الذكاء الاصطناعي إلى غزة.. كيف رأى كيسنجر العالم؟

بذهن متقد، عاش كيسنجر قرنا من الزمان يؤلف الكتب ويطرح الأفكار ليس فقط فيما يخص ما عاشه كمسؤول ومهندس للسياسة الخارجية الأميركية، لكن أحدث ما يشغل ذهن البشرية وشباب الجيل الحالي متمثلا في الذكاء الصناعي أيضا كان محل اهتمام ثعلب الدبلوماسية الأميركية ليخرج أفكاره حول القضية في كتاب هو "عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا البشري" بالتعاون مع كل من إريك شميدت ودانيل هوتنلوتشير عام ٢٠٢١.

ويطرح الكتاب الثلاثة وفقا لمقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية العام تساؤلات مهمة حول هذه التكنولوجيا، مثل ماذا يحدث إذا لم يكن بالإمكان التحكم فيها بشكل كامل؟ ماذا لو كانت هناك دائما طرقا لتوليد الأكاذيب والصور الزائفة ومقاطع الفيديو المزيفة؟

وحينما سئل كيسنجر عن سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي كان رده بالإيجاب لكن "ستكون حربا مختلفة، وهي مشكلة جديدة تماما من الناحية الفكرية".

قبل وفاته بشهرين، كتب كيسنجر آخر مقالة له على صفحات فورين أفيرز بالاشتراك مع عالم السياسة غراهام أليسون ليقدم الطريق نحو "التحكم في سلاح الذكاء الاصطناعي" مقدما النصيحة للولايات المتحدة والصين بالعمل معا في هذا المجال من أجل تجنب "كارثة".

يوضح كيسنجر الاختلاف بين الذكاء الاصطناعي والسلاح النووي في ٣ نقاط:

١- في حين قادت الحكومات تطوير التكنولوجيا النووية، فإن رجال الأعمال من القطاع الخاص، والتقنيين، والشركات يقودون التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.

٢- الذكاء الاصطناعي رقمي، في حين أن إنتاج الأسلحة النووية، يتطلب بنية تحتية معقدة لإنجاز كل شيء بدء من تخصيب اليورانيوم وحتى تصميم الأسلحة النووية.

٣- يتقدم الذكاء الاصطناعي وينتشر بسرعة تجعل المفاوضات المطولة مستحيلة، في حين أن الحد من الأسلحة يستغرق وقتا طويلا.

ويطلب كيسنجر وزميله في المقال بفرض قيود على الذكاء الاصطناعي قبل أن يتم دمجه في البنية الأمنية لكل مجتمع، وقبل أن تبدأ الآلات في تحديد أهدافها الخاصة، والتي من المرجح أن تحدث في السنوات الخمس المقبلة بحسب الخبراء.

واعتبر كيسنجر في آخر لقاء له مع دي فيلت الألمانية وما نقلته بيزنس إنسايدر، الذكاء الصناعي أكبر تحدي أمام الإنسانية، خاصة وأنها يمكن أن تحل محل البشر خلال خمس سنوات.

كان كيسنجر مهندس تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين، فقد تواصل مع بكين مستغلا الخلاف الصيني السوفييتي ليتكلل عمله بزيارة سرية عام 1971، كشفتها فيما بعد وثائق وكالة الأمن القومي الأميركي، لتمنح بكين الشيوعية مقعد الصين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ليفتح الباب لتطبيع العلاقات بينهما بصورة كاملة عام 1979.

في حوار له مع شبكة بلومبرغ الأميركية يشير كيسنجر إلى أهمية فهم أن "الصين لا يمكن تدميرها"، ولذلك من الأهمية إيجاد طريقة للتعايش معها، ومنعها من الهيمنة ولكن هذا لن يحدث بالمواجهة المستمرة، فالأمر يحتاج بعض فترات من التكيف وفترات أخرى من المواجهة، وتصميم استراتيجية.

ويوجه كيسنجر النصيحة لبايدن بأن يكون حذرا من السماح للسياسة الداخلية بالتدخل في "أهمية فهم ديمومة الصين" بحسب بلومبرغ.

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 خرج هنري كيسنجر برأي يخالف كل الآراء الغربية بالقول إن على أوكرانيا التنازل عن أراض لروسيا، ناصحا الغرب بإجبار أوكرانيا على قبول المفاوضات، أمر أثار انتقادات المسؤولين الأوكرانيين.

كيسينجر عاد عن رأيه مطلع العام الجاري مشددا على ضرورة استمرار الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا حتى الوصول إلى خطة لوقف النار، أو قبوله في المناقشات الأولية، معربا عن إعجابه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي و"سلوكه البطولي" كما أكد على اعتقاده بأن عضوية كييف في حلف الناتو ستكون ذات يوم "نتيجة مناسبة".