"""مطلوب عشائريا"".. عبارة موت على جدران منازل العراق "

أمام بسطة صغيرة لبيع السمك تجد أم علي، 66 سنة، نفسها مجبرة على إعالة نفسها وعائلتها المكونة من 11 فردا، بعد أن اضطرت للهرب من محافظة البصرة إلى ديالى، إثر نزاع عشائري تورطت به عائلتها، كما تشرح لبلينكس.

تعيش أم علي ظروفاً شاقة، تضطرّها للعمل في بيع السمك يومياً، من الصباح وحتى المساء، دون أمل بالعودة إلى سكنها الأصلي.

في هذا الوقت، تبقى أمام بسطتها الصغيرة على أمل الحصول على ما يسد رمق عائلتها، ومن يسمع نداءها بإيجاد حل لإنهاء معاناتها الممتدة لسنوات بسبب النزاعات العشائرية.

أم علي تتساءل عن الذنب الذي يستدعي نزوحها بعيداً عن ديارها، وتقول إن "سطوة العرف العشائري" أجبرتها اليوم على الجلوس أمام بسطة صغيرة لبيع السمك لتجني مبلغاً لا يتعدى 30 ألف دينار عراقي (20 دولارا) بالكاد يكفي لتلبية احتياجات أسرتها وسد جوعهم.

تطلق الحكومات المتعاقبة في كل حين، حملات لنزع سلاح العشائر، لكنها لا تغدو سوى حملات ظاهرية تُظهر عجزها أمام الوقوف بوجه قوة العشيرة.

كما لم يفلح قانون تجريم أصحاب ما يعرف بـ "الدكات العشائرية" (إطلاق نار على المنزل لأجل إيصال رسالة تهديد لصاحبه من أجل مراجعة العشيرة المطلقة بهدف حل قضية متورط بها معها) وفق مواد الإرهاب.

فالكثير من البيوت لازالت توسم بـ"مطلوب عشائرياً". ووفقاً لوزارة الداخلية العراقية فإن العشائر العراقية تمتلك 7 ملايين قطعة سلاح أغلبها غير مرخّص، رغم كل مشاريع حصر السلاح بيد الدولة من قبل جميع الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003.

كما سقط في البصرة وحدها العام 2021، وفقاً لإحصائيات رسمية 500 قتيل نتيجة النزاعات العشائرية، بينما سجل العام الماضي، استخدام صواريخ مضادة للدبابات في نزاع عشائري بأطراف العاصمة.

وسط كل هذا، تجد الدولة نفسها أمام وضع حد لخطر تلك الصراعات الممتدة، كما يشير المحلل السياسي أحمد السراجي.

ويرى المحلل أن ورقة الانتخابات واعتماد الأحزاب على سطوة العشيرة للفوز، يجعل الدولة مرهونة أمام قرار شيخ العشيرة وسطوته.

وبيّن السراجي في حديث مع بلينكس أن سطوة العشيرة تجدها واضحة بالمؤتمرات الانتخابية والحزبية والتي ترتكز على العشيرة، وهي أساسية للسياسي، ما يجعل هناك مصلحة متبادلة تقتضي ألا يمس طرف بالآخر، والمحصلة تأتي على تآكل الدولة والقانون.

بعيداً عن الإرهاب وويلات السلاح المتفلّت، تحصد الصراعات العشائرية أرواح المئات من العراقيين سنوياً، دون تحرك حكومي أو حتى ديني للحد منها.

فبين الحين والآخر تندلع تلك النزاعات وتستخدم فيها مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.

يقول الخبير الأمني أحمد الشريفي إن أهم التحديات التي تواجهها الحكومات في العراق منذ تأسيس الدولة، هي السلاح غير المنضبط للعشائر، موضحاً أن تلك الظاهرة كانت موجودة منذ تشكيل الدولة العراقية، حيث كانت أحد الأسباب والدوافع لتشكيل الجيش العراقي، من أجل إيقاف تمرّد ذلك السلاح وجعله ضمن الدولة المدنية.

الشريفي يرى أن الأمر بات خطيراً ويستدعي معالجة حقيقية لا مؤقتة، تحدث بعد كل صراع يندلع ثم تخفت بعدها.