الرقيب العسكري.. سلاح نتنياهو للحفاظ على ما تبقى من سمعته

هيئة "الرقابة على الصحافة والإعلام" أو "الرقيب العسكري"، هي وحدة تابعة لشعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي (أمان) هدفها تنفيذ الرقابة الصارمة ومنع تداول أي معلومات قد تضر بأمن إسرائيل أو السلم العام أو النظام المجتمعي.

يرأس هذه الوحدة حالياً كوبي ماندلبليت، وأحد أشهر من ترأسوا هذا المكتب في السابق كانت ميري ريجيف وزيرة المواصلات الإسرائيلية الحالية ووزيرة الثقافة السابقة التي نعتت المهاجرين "بالسرطان".

في كل عام يحظر مكتب الرقيب العسكري الإسرائيلي نشر حوالي 2240 مادة صحفية بشكل جزئي أو كلي، ويقوم بتحديد قائمة طويلة بالمواضيع المحددة التي يجب عرضها على طاقم مكتبه قبل نشرها للجمهور. كما يمكنه حظر مادة إعلامية بعد نشرها. وبإمكانه أيضاً، التنصت على المكالمات الدولية في إسرائيل للتأكد من عدم إفشاء أي معلومات محظورة للخارج.

ويملك الرقيب صلاحيات موسعة لمعاقبة أي جهة تنشر معلومات حساسة دون إذن أو تخالف أمراً بالحظر، بما في ذلك إغلاق تلك المؤسسات الإعلامية ومصادرة معداتها أو إلغاء تصاريحها الإعلامية دون إبداء أسباب أو حتى معاقبة المخالفين بالسجن، ويتم تنفيذ عقوبة السجن تلك بسرية تامة لمنع لفت الأنظار للأخبار المحجوبة.

بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن الرقيب العسكري اللفتنانت كولونيل كوبي ماندلبليت اشتكى في الأيام الأخيرة لكبار ضباط الجيش الإسرائيلي من الضغوط غير العادية التي يمارسها عليه رئيس الوزراء نتنياهو بهدف منع نشر مواضيع معينة في وسائل الإعلام دون أي مبرر أمني.

الرقيب العسكري ادعى أن نتنياهو يريد عزله من منصبه أو حرمانه من صلاحياته، بينما اتهمه نتنياهو بالإضرار بالحكومة وأمن الدولة بعد تسريب تلك التفاصيل.

ماندلبليت لم يؤكد القصة للصحيفة، لكن 2 من كبار المسؤولين الأمنيين أخبرا هآرتس بأن الضغوط على الرقيب العسكري جاءت من نتنياهو شخصياً، ومن مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي والسكرتير العسكري الجنرال آفي غيل، وزادت تلك الضغوط في الأسبوعين الأخيرين.

في أوقات الحروب، تزداد الرقابة العسكرية على ما يصدر في الإعلام بشكل كبير وصارم لمنع صدور أي أخبار قد تضر بالأمن القومي أو السلم العام والنظام المجتمعي، وهذا ما يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي استغلاله.

فقد تحدث نتنياهو قبل بضعة أسابيع هاتفيا مع ماندلبليت، وكان معهما في نفس الاتصال مستشار الأمن القومي هنغبي والسكرتير العسكري غيل.

وطلب نتنياهو من الرقيب العسكري تشديد سياسة الرقابة والحظر على الأخبار التي يتم تقديمها للموافقة.

بعد تلك المكالمة، تلقى الرقيب العسكري طلبات معينة من حاشية رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولم يكن هناك أي سبب أمني وراء تلك الطلبات بحظر النشر، ولكن الضغوط التي مورست عليه لم تكن عادية، بحسب المصدر.

إحدى القصص التي أراد نتنياهو حجبها عن الجمهور الإسرائيلي كانت متعلقة بمناقشات مجلس الوزراء التي انعكست منها صورة نتنياهو كشخص يتردد في التصرف بعدوانية خلال الحرب.

ووفقاً لهآرتس، فقد شملت المنشورات التي طلب مكتب نتنياهو حجبها، وتمت الموافقة عليها، تقريرا واحداً على الأقل عن قضية خاصة تتعلق بنتنياهو وزوجته سارة، وكان تبرير الرقيب العسكري ماندلبليت في حينها بأن قرار حظر النشر كان لاعتبارات أمنية متعلقة بالزوجين.

مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أصدر رداً رسمياً على تقرير هآرتس قال فيه بأنه "طوال فترة الحرب، وافق الرقيب العسكري على أخبار أضرت بالأمن القومي لدولة إسرائيل، وعرّض جنودنا وسلامة رئيس الوزراء نفسه للخطر".

وأضاف مكتب نتنياهو في رده "تناول رئيس الوزراء هذه القضية بشكل علني في مناقشات مختلفة بما في ذلك في لجنة الكنيست. سنواصل التصرف بنفس الطريقة في الحالات التي نرى فيها خوفا من المساس بالأمن القومي لدولة إسرائيل وجنودنا".

من القضايا المثيرة للاستغراب في الأسابيع الماضية هي حظر الرقيب العسكري الإسرائيلي بعض الصحف بعينها من نشر سبق صحفي مهم، والسماح لمنافسيها بنشر نفس الخبر لاحقاً.

على سبيل المثال، أشار موقع والا الإسرائيلي لحظر الرقيب العسكري نشر الصحفي عاموس هارئيل خبرا في صحيفة هآرتس مفاده أن يحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة التقى بالأسرى في أنفاق غزة، وكان الحظر بحجة أن الخبر "يكشف عن قدرات الجيش الإسرائيلي". بعد أيام، وافق الرقيب العسكري على طلب لصحفي آخر يدعى عاميت سيجال بنشر نفس الخبر في القناة 12 الإسرائيلية.

هذا الأمر سلط الضوء على ارتفاع شكاوى الصحفيين حول سلوك الرقيب العسكري ماندلبليت ودفعهم للتوجه إليه بشكوى من قبل منظمة الصحفيين.

من بين أبرز القصص المحجوبة من قبل الرقابة العسكرية الإسرائيلية هي محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عام 1997 في الأردن. وأيضاً عملية اغتيال خليل الوزير أبو جهاد في تونس.

وفي العام 2022، رفع الرقيب العسكري الحظر للمرة الأولى منذ عقود عن معلومة أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية مزودة بصواريخ وقادرة على قصف أهداف ميدانية.

في عام 2021، كشفت صحيفة هآرتس أن قناة إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي تدعى "أبو علي إكسبريس" كانت في الواقع مدارة من قبل موظف في الجيش الإسرائيلي يسمى جلعاد كوهين، وأن تلك القناة العاملة تحت اسم مستعار عربي كانت أداة للحرب النفسية على الفلسطينيين. الرقيب العسكري سرعان ما منع الصحافة الإسرائيلية من نشر اسم كوهين حفاظاً على هويته.

وفي عام 2014، خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، نشط الرقيب العسكري بشكل كبير في التكتم على عدة مواضيع وأخبار حول المعارك الجارية آنذاك.

وكانت أحد أبرز أوامر حظر النشر هي ما كان متعلقاً بالضابط الإسرائيلي هدار غولدن الذي اختطفته حركة حماس، حيث نشرت صحيفة نيويورك تايمز أن طاقمها منع من تداول معلومات عن الأمر، وهو ما أثار استغرابهم كأول أمر يصلهم في العالم أجمع خلال 6 سنوات بحظر نشر معلومات صحفية.