كيسنجر يترك "ذخائره العنقودية" في جنوب شرق آسيا

أصبحت لاوس الدولة الأكثر تعرضا للقصف في العالم من ناحية نصيب الفرد بين عامي 1964 و1973، حين أسقطت الولايات المتحدة أكثر من مليوني طن من المتفجرات، أي ما يعادل حمولة طائرة من القنابل كل ثماني دقائق.

حينما حدث ذلك، كانت سيرا كولابدارا التي ترأس مجموعة المناصرة "إرث الحرب" ابنة ستة أعوام لتفر مع عائلاتها، فتقول لفرانس برس "في كل مرة أسمع اسم كيسنجر، يغلي دمي"، لافتة إلى أن والدها يتذكر القصف الذي "وصفه بأنه كالمطر الغزير، ولكن بدلا من الماء، كانت النيران تنهمر".

ترك القصف الأميركي إرثا ليس من المال لكن من الذخائر غير المنفجرة في هذا البلد الفقير لتتسبب في مقتل أو جرح ما لا يقل عن 20 ألف شخص، وهو ما تصفه كولابدارا بأنه "مشكلة مهددة للحياة في لاوس نتيجة مباشرة للقرارات الهمجية التي اتخذتها الولايات المتحدة وأحد مهندسيها الرئيسيين هو كيسنجر".

وللتخلص من الإرث المؤلم، تستمر أعمال إزالة القنابل في البلاد، فقد دمرت منظمة "هانديكاب إنترناشيونال – الإنسانية والإدماج" على سبيل المثال ما يقرب من 47 ألف قطعة من الذخائر غير المنفجرة منذ عام 2006.

رغم ذلك فالذخائر العنقودية لا تزال تلوث البلاد بحسب رينير كارابين عضو المنظمة الذي يشير "كل يوم، يتعرض المدنيون في ربع قرى لاوس لخطر القتل أو الإصابة بسبب مخلفات المتفجرات".

في كمبوديا المجاورة، ساعدت حملة القصف في صعود نظام الخمير الحمر الذي قتل حوالى مليوني كمبودي بين عامي 1975 و1979 في أعمال اعتبرت لاحقا محكمة محلية مدعومة من الأمم المتحدة أنها تشكل إبادة جماعية، فيما دعا الزعيم السابق هون سين منذ فترة طويلة إلى توجيه تهمة ارتكاب جرائم حرب إلى هنري كيسنجر.

وترك القصف الأميركي ذخائر غير منفجرة منتشرة في ريف كمبوديا، وأدت إلى مقتل ما يقدر بنحو 20 ألف شخص في العقود الأربعة الماضية.

كان سام يحاول إزالة قنبلة عنقودية في منزله في مقاطعة كراتي عام 2014 لتنفجر فيه وتغير حياته للأبد، فقد أصيب بالعمى ولم يعد قادرا على استخدام ذراعيه، وقد أصبح بحسب وصفه "يائسا"، ويضيف لفرانس برس "في السابق كنت أشعر بالغضب. لكنه مات الآن، لذا باعتباري من أتباع البوذية، أسامحه".

ويقول المدير العام لـ"المركز الكمبودي للأنشطة المتعلقة بالألغام" هينغ راتانا لوكالة فرانس برس إن قرار قصف "بلدنا الجميل وشعبنا المسالم وتدمير كل شيء" هو الإرث الحقيقي لكيسنجر.

حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام على خلفية المفاوضات التي أنهت حرب فيتنام، رغم أن النزاع لم ينته على الفور ورفض نظيره الفيتنامي الشمالي لو دوك ثو قبول الجائزة، ليترك إثا معقدا بين من يراه متميزا وآخرون يرونه سببا في معاناة الفيتناميين.

خلال مفاوضات اتفاقات باريس للسلام عمل فام نغاك مترجما لفيتنام الشمالية ويبلغ حاليا ٨٨ عاما، وقد وصف كيسنجر أنه دبلوماسي "متميز" وكان الأكثر إقناعا.

أما تران كوي توين، وهو جندي في فرقة الدفاع الجوي في هانوي بين عامي 1965 و1973، فيقول لوكالة فرانس برس "لقد ساهم في إلحاق الكثير من المعاناة بالشعب الفيتنامي".

ويضيف الرجل البالغ 78 عاما "أعتقد أن العديد من الفيتناميين سيقولون إنه كان ينبغي أن يموت قبل سنوات".

ساعد كيسنجر في سياسة إحلال القوات الفيتنامية الجنوبية محل القوات الأميركية، وقاد مفاوضات وقف إطلاق النار مع القائد الفيتنامي لي دوك ثو ليحصلا مناصفة على جائزة نوبل للسلام التي رفضها مفاوضه الفيتنامي.

ويواجه كيسنجر اتهامات بتحمل مسؤولية مقتل 900 ألف مدني في كمبوديا ولاوس المجاورتين لفيتنام، عندما نصح نيكسون عام 1969 بضرب المناطق الحدودية بين فيتنام ولاوس، بحسب وثائق الخارجية الأميركية.