بعد انهيار المستشفيات.. هل تعجز غزة عن إحصاء قتلاها؟

في الـ 26 من أكتوبر الماضي، نشرت وزارة الصحة الفلسطينية تقريرا مؤلفا من 212 صفحة تضمن أسماء وأعمار وأرقام هويات 7028 فلسطينيا سجلتهم كقتلى جراء ضربات جوية إسرائيلية.

جاء ذلك بعد فترة وجيزة من تشكيك الرئيس الأميركي جو بايدن في أعداد الوفيات التي تحدثها وزارة الصحة التابعة لحماس بشكل يومي.

إلا أن التقرير ذاته، لم يُحدث منذ ذلك الحين، بالرغم من تزايد أعداد القتلى، حتى أنها تخطت ١٧ ألف شخصا في القطاع.

الآن، يتزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق للقتلى مع تدمير البنية التحتية الأساسية وتكرار تعطل خدمات الهاتف والإنترنت ومقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.

يعتقد أن آلية جمع بيانات القتلى ذاتها اختلت، فخلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب، اعتادت مشارح المستشفيات في أنحاء غزة إرسال الأرقام إلى مركز الإحصاء الرئيسي التابع لوزارة الصحة التي تديرها حماس في مستشفى الشفاء.

إلا أن مستشفى الشفاء ذاته قد خضع للحصار والاقتحام، ما أثر على الفريق العامل داخله.

يقول مدير مركز عمليات الطوارئ التابع للوزارة في رام الله، عمر حسين علي إن ٤ أشخاص تولوا مسؤولية إدارة مركز بيانات الشفاء سابقا، قُتل أحدهم بالفعل خلال غارة جوية على المستشفى، بينما يبقى مصير الثلاثة الآخرين مجهولا بعد اقتحام المستشفى.

وكانت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، صرحت في وقت سابق إن الخدمات الصحية في غزة في حالة يرثى لها، بعد قُتل أكثر من 250 موظفا صحيا واعتُقل 30 آخرون على الأقل.

منذ انهيار الهدنة، أصبح الموقف أكثر غموضا، إذ بات تحديث الحصيلة الذي كان يصدر يوميا غير منتظم، وجاءت أحدث إضافة لبيانات وزارة الصحة في غزة يوم الخميس حيث "بلغت حصيلة القتلى 17177 شخصا"، وفق ما أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، مع دخول الحرب شهرها الثالث.

وقال ريتشارد بيبركورن مبعوث منظمة الصحة العالمية إلى غزة إن المرحلة الجديدة من الهجوم الإسرائيلي، زادت من تراجع القدرة على جمع بيانات موثوق بها عن عدد القتلى.

وأضاف: "مثلما نعلم جميعا، نحصل عادة على (البيانات) من وزارة الصحة، ومنذ أيام اعتمد الأمر أكثر على التقديرات، وأصبح الأمر أكثر صعوبة".

تحظى بيانات الصادرة عن السلطات الصحية الفلسطينية بـ "مصداقية راسخة" في أساليبها للحفاظ على الإحصاءات الأساسية وتتبع الوفيات بشكل عام وفقا لأونا كامبل، الأستاذة في كلية لندن للصحة والطب المداري.

اعتمادا على تلك المصداقية تعتمد وكالات الأمم المتحدة على تلك البيانات.

أكد الرؤية ذاتها لوكالة رويترز المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة في جامعة ييل، ناثانيال ريموند، حيث قال: "قدرات جمع البيانات الفلسطينية احترافية وكثيرون من موظفي الوزارة تدربوا في الولايات المتحدة. وهم يعملون بجد لضمان الدقة الإحصائية".

كانت كامبل وأكاديميان آخران قد حللت البيانات الفلسطينية الصادرة في تقرير الـ٢٦ من أكتوبر، لمجلة لانسيت الطبية.

خلص الباحثون إلى أنه ليس هناك سبب واضح للشك في صحتها، وكتب الباحثون: "نرى أن من غير المعقول أن هذه الأنماط (لمعدلات الوفيات) مستقاة من بيانات ملفقة".

لكن الثقة في البيانات لا تعني أنها شاملة تماما، ففي هذا الصدد يقول متحدث باسم وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة: "يشير رصدنا إلى أن الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة قد تكون أقل من الواقع لأنها لا تشمل القتلى الذين لم يصلوا إلى المستشفيات أو من يُحتمل وجودهم تحت الأنقاض"

بشكل ما، باتت إسرائيل تدعم بنفسها مصداقية تلك الإحصاءات الفلسطينية، فيوم الإثنين الماضي قال مسؤول إسرائيلي كبير للصحفيين إن نحو ثلث القتلى في غزة حتى الآن هم ممن وصفهم "بالمقاتلين الأعداء"، مقدرا عددهم بأقل من عشرة آلاف لكن أكثر من خمسة آلاف دون أن يقدم تفاصيل عن مسوغات لتقديره.

وقال المسؤول إن العدد الإجمالي للقتلى الذي أعلنته السلطات الفلسطينية الذي بلغ حتى يوم الاثنين نحو 15 ألف قتيل دون تقسيم بين مدني ومقاتل، صحيح "بشكل أو بآخر".

وفقا لوزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية فإن نحو 70 % من القتلى في غزة من النساء والأطفال، لكنها لم تنشر أي تقسيم للفئات العمرية منذ تقريرها الصادر في 26 أكتوبر.

ولكن أورد تقرير مجلة لانسيت الطبية أن بيانات تقرير الوزارة الفلسطينية، أظهرت أن 11.5 % من الوفيات التي سجلتها في الفترة من السابع إلى 26 أكتوبر كانت لأطفال لا تزيد أعمارهم على أربع سنوات، وأن 11.5 % تراوحت أعمارهم بين خمس وتسع سنوات، و10.7 % أعمارهم بين عشرة و14 عاما و9.1 % بين 15 و19 عاما.

وجاء في التقرير: "هناك ارتفاع واضح بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و34 عاما، فيما قد يمثل مقاتلين أو تعرض المدنيين (مثل المسعفين في مواقع القصف والصحفيين والأشخاص الذين يخرجون لجلب الماء والغذاء لعائلاتهم)".