سياسة
.
صورة انتشرت يوم الخميس، تُظهر عشرات الرجال والأطفال المراهقين في غزة معتقلين من قبل الجيش الإسرائيلي، ومجردين من ملابسهم في البرد، تم إجبارهم على الجلوس على رصيف الشارع، ووضعهم واحدا تلو الآخر على متن شاحنة عسكرية.
الصورة القاسية تداولها نشطاء فلسطينيون لإظهار سوء المعاملة والتعذيب الذي تعرّض له المعتقلون في وضح النهار. لكن ما لفت أنظار المراقبين، أن مصدرها كان الجيش الإسرائيلي نفسه، وإن لم تنشرها حساباته الرسمية، إذ اكتفى بإعطائها لنشطاء بروباغندا إسرائيليين ليقوموا هم بذلك.
فلماذا قام الجيش بالتقاط وتوزيع تلك الصور؟ ولماذا لم يقم بنشرها بنفسه؟ وما الهدف من تلك الصور؟
"كل ما أريده في عيد الهانوكا هو اندثار حماس، الجيش الإسرائيلي يؤكد أن الإرهابيين يقومون بتسليم أنفسهم وتقديم معلومات قيمة"، هذا ما كتبته أفيفة كلومباس التي عملت في بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة.
كلومباس كانت من بين أول من نشروا صورة المعتقلين الفلسطينيين المجردين من ملابسهم، وقالت: "جيش حماس الإرهابي ينهار".
رواية إسرائيل حول تلك الصور هي أنها تصور استسلام المئات من عناصر حماس، على حد زعم نشطاء الدعاية الإسرائيلية، وهو ادعاء ردده المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري لصحيفة معاريف، إذ قال: "الإرهابيون سلموا أنفسهم لنا".
حسابات تروّج للبروباغندا الداعمة لإسرائيل تداولت تلك الصورة جنباً إلى جنب مع صورة لمقاتلي القسام بعتادهم العسكري، وكتبوا على الصورة "قبل وبعد"، باعتباره دليلا على انتصار إسرائيل في المعركة، على حد زعمهم.
أما الصحفي وعضو الكنيست السابق ينون ميغال فقد شبه صورة المعتقلين الفلسطينيين بأسرى حرب 1967 من العرب، وقال إن إسرائيل فازت مجدداً، على حد وصفه.
نشطاء اعتبروا أن إسرائيل تريد ببساطة تصوير الأمر على أنه لحظة هزيمة وانهيار لحماس وانتصار لقواتها. لكن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أي أدلة على أن من ظهروا في الصورة هم من عناصر حماس، أو أي تفاصيل عن ملابسات عملية الاعتقال والأسر من حيث الزمان والمكان، وهو ما أثار الشبهات حول تلك الرواية.
ما إن انتشرت صور الرجال المعتقلون في غزة، حتى سارع نشطاء فلسطينيون للقول بأنهم مدنيون وليسوا من مقاتلي القسام. الدليل الأول الذي نشره بعض النشطاء هو وجود الصحفي ضياء الكحلوت ضمن المعتقلين في الفيديو الذي نشرته إسرائيل، وهو مدير مكتب قناة العربي الجديد في غزة. الكحلوت قيل بأنه لم يستطع الإخلاء من شمال غزة حيث اعتقل، لحاجته إلى الاعتناء بابنته المصابة بإعاقة ووالدته الكبيرة في السن.
علاوة على ذلك، قال رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبدو، إن من بين المعتقلين يوم الخميس رجالا مسنين وأطفالا بعمر الـ15. منهم الحاج خليل هشام الكحلوت (65 عاما)، ورفيق أحمد الكحلوت (60 عاما)، ومحمد إسماعيل الكحلوت (57 عاما)، بالإضافة إلى مدير مدرسة الأونروا درويش الغرباوي (48 عاما)، وموظف الأمم المتحدة أحمد أكرم لبد (56 عاما)، والطفل محمد حمزة الكحلوت (15 عاما)، والطفل يوسف خالد لبد (15 عاما).
وأشار ناشط آخر إلى أن من بين المعتقلين أقارب له ينتمون لحركة فتح أو من موظفي السلطة الفلسطينية أو يعملون في أعمال حرة، وليسوا من مقاتلي حماس.
يدعم هذه الأقوال ما أشارت إليه إذاعة كان الإسرائيلية الرسمية، التي قالت إن الجيش الإسرائيلي اعتقل أولئك الرجال لمجرد "التحقق مما إذا كان بعضهم من إرهابيي حماس أو نشطاء في المنظمة"، وهو ما يدلل على أن الاعتقالات كانت عشوائية ودون تهم أو أدلة.
أحد أول من نشروا الصورة من النشطاء الإسرائيليين ادعى بأن عملية الاعتقال تمت في شمال غزة، في حين قالت أخرى بأنها تمت في خانيونس. وقال ثالث بأن مقطع الفيديو يُظهر "اعتقال أعضاء كتيبة الشجاعية في حماس في خانيونس" (على الرغم من أن المسافة بين خانيونس والشجاعية تزيد على 25 كم).
الاختلافات في الروايات تظهر أن الصور تم تسريبها لنشطاء الدعاية الإسرائيلية دون تفاصيل عن الزمان والمكان، ولعل ذلك للتشويش على ملابسات الاعتقال. فالجيش الإسرائيلي لم ينشر حتى اللحظة أي تفاصيل عن الحادثة بشكل رسمي سوى قول المتحدث باسمه أن "الإرهابيين سلموا أنفسهم لنا".
من الصور المتداولة للمعتقلين، تظهر في الخلفية صيدلية تدعى "عليان فارم" ومخبز باسم "السلام". وبالتحقق من تلك الصور، يتضح أنها من شارع حمدان في منقطة تقاطع مشروع بيت لاهيا ومعسكر جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة.
وقد أشار نشطاء فلسطينيون من غزة إلى أن عملية الاعتقال تمت في بيت لاهيا، وهو ما يتوافق مع الصور المتداولة.
الجيش الإسرائيلي يخوض عمليات توغل بري في بيت لاهيا منذ أسابيع، في محاولة لاحتلال المدينة، في حين ينخرط الآن في اشتباكات عنيفة في محاولة لدخول مدينة جباليا.
رئيس المرصد الأورومتوسطي أفاد بأن الجيش الإسرائيلي قام باعتقال جميع الرجال الذين تزيد أعمارهم على سن الـ15 الذين كانوا في مراكز إيواء في مدرستي خليفة وحلب الجديدة في الشمال، وأجبر النساء والأطفال على النزوح جنوباً. كما نقل المعتقلين على عربات عسكرية بعد تعريتهم والتقاط صور لهم بهذا الشكل.
الهدف الآخر لتسريب الجيش الإسرائيلي لتلك الصور، قد يكون بث الخوف والذعر في نفوس الفلسطينيين في نصف غزة الشمالي وخانيونس اللتين يحاول الجيش إخراج جميع السكان منهما وإجبارهم على النزوح، بحسب نشطاء.
الجيش الإسرائيلي كان قد ألقى منشورات قبل أيام على الفلسطينيين في غزة تحمل عبارة "فأخذهم الطوفان وهم ظالمون"، المقتبسة من القرآن، وذلك بالتزامن مع ادعاء إسرائيل ببدء عملية إغراق الأنفاق أسفل غزة بمياه البحر المتوسط، ما ينذر بإفساد مياه الشرب والأراضي الزراعية والتسبب في انهيارات كبيرة في الشوارع والمباني.
وقبل ذلك، قام الجيش بإلقاء منشورات حذر فيها أهل النصف الشمالي من أنهم إذا رفضوا المغادرة فقد يتم اعتبارهم "شركاء في تنظيم إرهابي".
"الجيش الإسرائيلي يمحو النازيين المسلمين في غزة. علينا أن نسرّع وتيرة ذلك. لو كنت متخذ القرار، لاستعنت بأربع جرافات من طراز D-9 ووضعتها خلف أكوام التراب، وأعطيت الأمر بدفن كل تلك المئات من النمل، في حين كانوا لا يزالون على قيد الحياة. إنهم ليسوا بشراً وليسوا حيوانات بشرية، إنهم دون البشر، وهذه هي الطريقة التي يجب معاملتهم بها".
هذا كان تعليق ارييه كينغ، نائب عمدة القدس المحتلة، على الصورة المتداولة للمعتقلين الفلسطينيين المحتجزين خلف كثبان من الرمل والمحاطين بالجنود المسلحين.
آرييه نعت الفلسطينيين أيضاً بالعماليق، وهم شعب عاش في أرض فلسطين التاريخية ودعت التوراة القديمة لإبادتهم جميعا رجالاً ونساءً وأطفالاً وحتى الماشية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة