"اغتيال المرسومي.. صراع العقيدة والانتخابات في بغداد "

أعلنت شرطة بغداد مقتل رجل الدين ومؤسس حزب "الداعي الرباني" فاضل عبد الحسين المرسومي على يد مسلحين اثنين في العاصمة بغداد.

وجاء في بيان صادر عن مركز شرطة شاطئ التاجي في بغداد، أن خفر وحدة شاطئ التاجي تلقى بلاغا، وتبيّن قيام شخصين كانا يستقلّان دراجة نارية بإطلاق النار على سيارة يستقلها 3 أشخاص، ما أدى إلى مقتل المرسومي على الفور، وأصيب اثنان آخران كانا معه، تم نقلهما إلى المستشفى حيث فارق أحدهما الحياة.

وقال الناطق باسم وزارة الداخلية مقداد الموسوي، إن "الوزير أصدر أوامر بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة، للوقوف على ملابسات مقتل المرسومي، وأن دوافع الاغتيال ستظهرها نتائج التحقيق"، لافتا إلى أن القضية تحظى بمتابعة من قبل وزير الداخلية للوصول الى الجناة وتقديمهم للعدالة.

لحظة اغتيال المرسومي جاءت متزامنة مع تشييع جثمان أحد قادة ما يُعرف بحزب الله العراقي في ديالى، أبو مهدي المعموري، في مسجد بقية الله في شارع فلسطين بالعاصمة بغداد، الذي مات مقتولا أيضا.

الغريب، بحسب البعض، أن القتيلين من ديالى، وأن لحظة اغتيال المرسومي جاءت بالضبط مع لحظة دخول جثمان المعموري، الذي قُتل إثر قصف أمريكي استهدف المليشيات في جرف الصخر ببغداد. وربط الكثير بين التشيع واغتيال المرسومي الذي لطالما هاجمته الجماعات المسلحة متهمة إياه بالعمالة الغربية لتخريب المعتقدات، كونه أحد قادة ما يسمونها الحركات المنحرفة فكريا وعقائديا.

ذلك التأويل يؤكده ما نشرته بعض القنوات التابعة للجماعات المسلحة، التي وصفت المرسومي في خبر اغتياله بأنه "أحد قيادات الحركات المنحرفة".

ويفيد مصدر مقرب من مؤسس حزب الداعي، أن المرسومي نفسه توقع اغتياله قبل 15 سنة بسبب مواقفه وآرائه التي كسرت قيود الطائفية والمحاصصة، بعدما اعتمد مبدأ مغايرا، وبات واضحا بعد تشكيل حزب الداعي ودخوله العملية السياسية.

وأضاف المصدر (الذي فضّل عدم الكشف عن هويته)، أن "طريقة اغتيال المرسومي تدل على أن من قام بنصب الكمين عصابة متدربة، بالنظر إلى سرعة التنفيذ والانسحاب"، لافتا إلى أن "عملية الاغتيال تهدف إلى إنهاء فكرة المرسومي السياسية".

وأشار إلى أن "قيادات حزب الداعي مستمرة على نهج المرسومي ومبادئه السلمية"، مؤكداً أن "كشف هوية المجرمين ستعطي الكثير من الإجابات، وتُظهر هوية من يسفك دماء الأبرياء".

أعضاء في حزب الداعي يؤكدون أن اغتيال المرسومي جاء بعد أيام من تشريحه واقع المرحلة التي يعيشها البلد، وما آلت إليه من نتائج، بعد تولي السلطة من قبل من وصفهم بمدعي الدين الموروث الذين تسلطوا على الناس وهم يمثلون الامتداد لبني أمية وبني العباس، بحسب قوله.

وقال قبل اغتياله: "إنهم يحملون لمن يطيعهم، المال بيد، وبالأخرى السيف الذي قوامه الإرهاب والقتل والطائفية، ويهددون به من لم ينصع لفسادهم وظلمهم، الذين يخشى اليوم من تسلطهم على رقاب ومقدرات الناس من جديد، وهم يحاولون ذلك مستغلين النظام الديمقراطي بعد أن بدّلوا ثيابهم بثوب المدنية وادعاء الاستقلالية، بينما لا يزال باطنهم عقيدتهم الظنية التي هم بها إما مثل بني أمية أو بني العباس"، حسب قوله.

وبحسب سيرته الذاتية في موقعه الرسمي، فقد واجه المرسومي معارضة شديدة وعداء كبيرين من قبل الجماعات السياسية، بسبب مشروعه الذي وصفه بـ"الفكري الإصلاحي الذي رفض من خلاله الطائفية وحمل السلاح والاقتتال الداخلي".

وقبل مقتله بأيام، نشط المرسومي بجولاته الاجتماعية والانتخابية التي عقدها في بغداد وديالى، وهاجم فيها الأحزاب الشيعية الحاكمة والجماعات الدينية وفسادها وهيمنتها بعناوين طائفية على مقدرات البلاد والعباد، داعيا إلى مقاطعة أصحاب الطائفية وعدم انتخابهم.

وتشهد محافظة ديالى (57 كم شرق بغداد) صراعا انتخابيا وسياسيا شديدا منذ سنوات طويلة، كونها محافظة مختلطة تضم خليطا من أبناء المكونات السنية والشيعية وكذلك القومية الكردية، وتسعى الأحزاب الشيعية والجماعات المسلحة إلى السيطرة على المحافظة أمنيا وسياسيا.

وقد شهدت المحافظة عدة عمليات مسلحة طائفية خلال العامين الأخيرين قتل فيها العشرات من المواطنين، بالإضافة إلى سعي الإطار التنسيقي بزعامة هادي العامري وقيس الخزعلي وجهات أخرى للفوز بأكبر مقاعد في انتخابات مجالس المحافظات التي ستُجرى في 18 ديسمبر الحالي. وينافس حزب الداعي الذي يتزعمه المرسومي بقائمة تحمل اسم "وطنيون بقوة" في ديالى وبغداد، ويرى مراقبون أنها شكلت خطرا أكبر على القوى الرئيسية، كون من يتزعمها رجل دين شيعي معمم يدعو إلى إصلاح الطائفة، وليس فقط العملية السياسية، وهو ما كان سببا رئيسيا لاغتياله، حسب البعض.

ويُلقب رجل الدين الذي ينحدر من محافظة ديالى بـ"الإمام الرباني"، ويتزعم حركة تتبنى "التمهيد" لظهور الإمام المهدي، وقد اعتُقل في مرات عديدة حتى أسس حزبا للمشاركة في الانتخابات. وسبق أن تم اعتقاله في ديالى عامي 2009 و2012 بتهمة تزعّم حركة غامضة مجهولة التمويل.