سياسة
المشهد يتكرر، ويفشل مجلس الأمن في الوصول إلى قرار يقضي بوقف إطلاق النار في الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة للشهر الثالث على التوالي، والسبب في كل مرة "فيتو" ترفعه الولايات المتحدة التي رفضت مشروع القرار، وتبعتها بريطانيا التي لم تعترض، لكنها امتنعت عن التصويت.
انتهت النتيجة في جلسة مجلس الأمن بـ13 صوتا مع وقف إطلاق النار مقابل صوت واحد يقف على الجانب الآخر، لكنه يملك الحق في عرقلة الأغلبية بسبب "حق النقض" الذي تملكه 5 دول دائمة العضوية في المجلس.
فماذا دار في الجلسة؟
استعمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حقا لم يستخدمه أسلافه إلا نادرا، وهو الحق في تنبيه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك بموجب المادة 99 من ميثاق المؤسسة صاحبة العقود الثمانية.
في رسالة مكتوبة، قال غوتيريش لأعضاء المجلس الـ15 إن الوضع في غزة يتدهور بسرعة إلى كارثة ذات آثار محتملة لا رجعة فيها على الفلسطينيين، وعلى السلام والأمن في المنطقة، مطالبا بتجنب مثل هذه النتيجة بأي ثمن.
تبعا للرسالة التي أرسلها غوتيريش، قدمت دولة الإمارات للمجلس مشروع قرار يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، يتم طرحه للتصويت في يوم الجمعة. وقالت بعثة الإمارات لدى الأمم المتحدة على منصة إكس "يحظى مشروع القرار الذي تقدمت به الإمارات بدعم المجموعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والذي يعد ضرورة أخلاقية وإنسانية نحث عبرها جميع الدول على دعم دعوة الأمين العام".
قبل التصويت، كانت نية الولايات المتحدة واضحة برفض المشروع وهو ما ظهر جليا من خلال ما جاء على لسان روبرت وود نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حيث قال إن واشنطن لا تؤيد أي إجراء آخر من جانب مجلس الأمن في الوقت الحالي بحسب رويترز.
ولقي مشروع القرار دعما من نحو 100 دولة حيث دعا إلى حماية المدنيين، والإفراج "الفوري وغير المشروط" عن جميع الرهائن و"ضمان وصول مساعدات إنسانية".
في جلسة مجلس الأمن، خرج مندوب بكين الدائم لدى مجلس الأمن تشانغ جيون ليشدد على ضرورة قيام جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي بدعم جهود إنقاذ الأرواح في غزة، معربا عن تأييد بلاده لمشروع القرار المقدم من الإمارات وأنها قد انضمت لمقدمي المشروع بحسب وكالة أنباء الصين شينخوا.
وبلغة عربية سليمة، فاجأ نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي الجميع بتأكيد رفض موسكو لأي مخططات لتهجير الفلسطينيين قسريا من الشمال إلى الجنوب، فيما وصفه بالنكبة الجديدة، علاوة على الانضمام إلى الأصوات الداعمة لوقف إطلاق النار.
من جانبه، قال غوتيريش أمام المجلس في وقت سابق "لا توجد حماية فعالة للمدنيين، يُطلب من سكان غزة أن يتحركوا مثل الكرات البشرية دون أي مقومات للبقاء على قيد الحياة. لا يوجد مكان آمن في غزة".
جاء التصويت، ولم يمر القرار بسبب الفيتو الأميركي والصمت البريطاني، الذي جاء مبرره من الجانبين أنه لا يدين حماس. وقال روبرت وود نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة أمام المجلس إن مشروع القرار غير متوازن "ولن يحرز أي تقدم على الأرض بأي طريقة ملموسة".
وأضاف "رغم أن الولايات المتحدة تدعم بشدة السلام الدائم الذي يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين العيش فيه بسلام وأمن، فإننا لا نؤيد الدعوة المذكورة في هذا القرار لوقف إطلاق نار غير مستدام لأنه لن يؤدي إلا إلى زرع بذور الحرب المقبلة".
وقالت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة باربرا وودورد أمام المجلس "على إسرائيل أن تكون قادرة على التصدي للتهديد الذي تشكله حماس، وعليها أن تفعل ذلك بطريقة لا تخالف القانون الإنساني الدولي حتى لا يتكرر أبدا مثل هذا الهجوم مجددا".
وكرد فعل طبيعي، شكر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان الولايات المتحدة على "وقوفها بثبات إلى جانبنا"، قائلا إن وقف النار لن يكون ممكنا إلا عبر "تدمير حماس" بحسب فرانس برس.
على الجانب الآخر، وصف السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور لمجلس الأمن نتيجة التصويت بـ"الكارثية"، مضيفا أن "ملايين" الأرواح الفلسطينية على المحك، كل فرد منهم يشعر بالذعر ويستحق الإنقاذ".
أما موسكو، فقد عاد نائب مندوبها دميتري بوليانسكي ليقول "حكم الزملاء الأميركيون أمام عيوننا بالموت على آلاف أو حتى عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين الإضافيين".
وقال السفير الفرنسي نيكولا دي ريفيير "مع تفاقم الأزمة في غزة وخطر توسعها، فإن (المجلس) لا يرقى إلى مستوى المهمة الأساسية التي أوكلها إليه الميثاق".
وانضم مشروع القرار إلى 4 سابقين فشلوا في الأسابيع الماضية، بسبب عدم وجود أصوات كافية، أو بسبب اعتراض روسيا والصين أو الولايات المتحدة، وقد خرج المجلس عن صمته في منتصف نوفمبر، ونجح في تبني قرار دعا إلى "هدنات وممرات إنسانية" في قطاع غزة، وليس "وقف إطلاق النار".
بالتزامن مع فيتو واشنطن، قال مسؤول أميركي حالي وآخر سابق لوكالة رويترز للأنباء، إن إدارة الرئيس جو بايدن طلبت من الكونغرس الموافقة على بيع 45 ألف قذيفة لدبابات ميركافا الإسرائيلية لاستخدامها في قتال حركة حماس في غزة.
وتزيد قيمة الصفقة المحتملة على 500 مليون دولار، وهي ليست جزءا من طلب تكميلي للرئيس جو بايدن بقيمة 110.5 مليار دولار يتضمن تمويلا لأوكرانيا وإسرائيل.
وتخضع العملية لمراجعة غير رسمية من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. وقال مسؤول أميركي وجوش بول، المسؤول السابق بوزارة الخارجية، إن الخارجية الأميركية تضغط على لجنتي الكونغرس للموافقة بسرعة على الصفقة في مواجهة اعتراضات من مدافعين عن حقوق الإنسان تتعلق باستخدام أسلحة أميركية الصنع في الصراع.
وقال بول لرويترز "عُرض هذا على اللجنتين في وقت سابق من هذا الأسبوع ومن المفترض أن يكون أمامهما 20 يوما لمراجعة المسائل الإسرائيلية، وتطالبهما (وزارة الخارجية) بإقرارها الآن".
وقال مسؤولان أميركيان إن الإدارة تدرس أيضا استخدام صلاحيات الطوارئ بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة بهدف السماح بتصدير جزء من الذخيرة يقدر بنحو 13000 قذيفة في تجاوز للجنة وفترة المراجعة، لكن لم يتخذ قرار بهذا الشأن حتى الآن. وقال أحدهما إن هذه الخطوة ستتيح لإسرائيل الاستعداد لحالات الطوارئ نظرا للتوتر المتصاعد في المنطقة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة