المال بلا قيمة في غزة.. ما الذي يعنيه ألف دولار؟

قبل اشتعال فتيل الحرب، عانى الكثير من سكان قطاع غزة بالفعل مع الفقر، لكن الآن أصبحت المعاناة للجميع، فيشعر الميسورون بالعجز أمام الأسواق الخاوية والبضائع الشحيحة، حيث لم تعد لأموالهم أية قيمة.

محمد المدهون، من بين هؤلاء، فمنذ نروحه من مدينة غزة أقام الأب الثلاثيني وأسرته في منزل أحد الأصدقاء، إلا أنه يسعى للعثور على مسكن خاص للإيجار، فقط ليحظى بالقليل من الخصوصية، إلا أن الحُلم بعيد المنال.

فيقول المدهون: "الأسعار مرتفعة للغاية. ولكن لا يوجد شقق أيضا. أنا مستعد لدفع ألف دولار ولكن لا أجد رغم ذلك".

ويضيف: "لا نبحث عن الرفاهية. أبحث عن الأساسيات وبأي سعر ولكن لا أجدها. لم يكن ينقصنا أي شيء في حياتنا، قُصف بيتنا وسيارتي تركتها".

بعد الحرب مر المدهون وعائلته برحلة "معاناة وذل" حد وصفه، لكن المتاعب ما تزال قائمة، حيث يشعر الأب بالعجز كلما طلب منه طفله شيئا لا يمكنه توفيره رغم وجود المال، يقول الأب: "كيف سيفهم الطفل أن المشكلة ليست عندي".

تحولت مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب القطاع عند الحدود مع مصر، إلى مخيم ضخم للنازحين حيث نصبت على عجل مئات الخيام باستخدام أخشاب وأغطية بلاستيكية، ويفر آلاف من سكان غزة بأي طريقة ممكنة، بسيارات أو شاحنات وأحيانا بواسطة عربات أو سيرا.

يقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إن عشرات آلاف النازحين وصلوا إلى رفح منذ الثالث من ديسمبر، مؤكدا أنهم يواجهون"ظروفا كارثية" في أماكن مكتظة بالسكان "داخل وخارج الملاجئ".

ويُضيف المكتب: "تنتظر حشود لساعات حول مراكز توزيع المساعدات والناس في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والمأوى والرعاية والحماية".

والآن، مع نقص مياه الشرب والمواد الغذائية والأدوية، واضطرار السكان إلى النزوح، تفاقم الفقر.

سمر محمد أم ثلاثينية لأربعة أطفال، في السابق كانت تعمل معلمة، بينما يعمل زوجها تاجرا، تقيم في شقة مساحتها ٢٠٠ متر، ولديها سيارتها الخاصة.

الآن السيارة متروكة في الطريق لعدم توافر الوقود، أما المنزل فأصبح جزءا من الماضي بعد أن اضطرت سمر للنزوح إلى غرب مدينة رفح، الآن من وجهة نظرها، الجميع متساوون.

وتقول الأم الثلاثينية: "عائلات بأكملها من الأثرياء تعيش في خيام لأنها لا تجد بيوتا للإيجار. النقود أصبحت كالورق لا قيمة لها. حتى لو معك مليون شيكل، أنت غير قادر على حماية عائلتك أو توفير أدنى مقومات الحياة لهم من أكل وشرب ولبس".

وتضيف: "الجميع يعاني، الفقير والغني يعيشون بجوار بعضهم في الخيام ويأكلون نفس الأكل ويشربون نفس الشيء وجميعهم يفتقدون الأمان".

يمتلك أبو خالد سيارة جيب جديدة، في السابق كان لديه "فيلا" أيضا وحمام سباحة تزوره القريبات للاستجمام. يقول الرجل بمرارة: "نحن الآن في الشارع".

نزحت عائلة أبو خالد مرتان الأولى إلى "شالية" في مدينة خانيونس، إلى أن طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء المدينة، فانتقلت الأسرة إلى مدينة رفح، حيث تعيش الأسرة كاملة في السيارة الجيب، في المقدمة يجلس أبو خالد ووالدته وفي المقعد الخلفي تجلس زوجته وأبناؤه.

تخير أبو خالد أن يبقى سيارته بالقرب من إحدى المستشفيات لتتدبر الأسرة أمر دورات المياه.

في البداية حاولت الأسرة التحايل على الموقف، فذهبت الأم والزوجة والأطفال للنوم لدى أحد الأقارب، إلا أن شدة الزحام دفعتهم لتفضيل النوم من الآن فصاعدا في السيارة.

يقول الأب الأربعيني: "كدت أفقد عقلي. لا أعرف أين أذهب بعائلتي ولا شقق متاحة للإيجار مهما كان الثمن".

مع حلول البرد، يضطر أبو خالد إلى إشعال النار قرب السيارة للتدفئة، ويضيف: "أشعر بقمة العجز. أشعر بأني أب فاشل غير قادر على حماية عائلتي".