سياسة
.
حرب إسرائيل الإعلامية في خطر، والسبب جنودها.
جنود يفتشون منازل السكان في غزة، وآخرون يدمرون الدمى البلاستيكية في متجر للألعاب، أو يحاولون حرق إمدادات الطعام والمياه في شاحنة مهجورة، فيما يتحمس آخرون للرقص مرددين شعارات عنصرية.
هذا جزء من مقاطع مصورة مسجلة انتشرت في الأيام الأخيرة لجنود إسرائيليين يتصرفون بصورة مهينة في غزة، ما سبب حرجا للجيش الإسرائيلي في الوقت الذي يواجه فيه انتقادات دولية بسبب قصف غزة وارتفاع عدد القتلى المدنيين في حربه العقابية على غزة.
من جانبه، تعهد الجيش الإسرائيلي باتخاذ إجراءات تأديبية تجاه ما قال إنها "حالات فردية".
فما هو الحل الإسرائيلي للسيطرة على جنوده؟ وما هي الأفعال التي وصفها بعض الإسرائيليين بـ"الشنيعة"؟
لا تشكل المقاطع المصورة المسجلة هذه ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها، فخلال العقود الماضية انتشرت صور لجنود إسرائيليين أمام الكاميرا وهم يتصرفون بشكل غير لائق أو بعدوانية مفرطة في مناطق الصراع.
لكن المنتقدين قالوا إن هذه المقاطع الجديدة، التي تم تجاهلها إلى حد كبير في إسرائيل، تعكس مزاجا وطنيا داعما إلى حد كبير للحرب في غزة، وسط تعاطف محدود مع محنة المدنيين في غزة.
وقالت درور سادوت، المتحدثة باسم منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، التي توثق منذ فترة طويلة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين "التجرد من الإنسانية في رأس السلطة يمتد ليصل إلى الجنود".
في أحد هذه المقاطع، يركب الجنود دراجات هوائية وسط الأنقاض. وفي صورة أخرى، يقوم جندي بنقل سجادات صلاة المسلمين إلى دورات المياه. وفي ثالثة يقوم جندي بتصوير خزانة الملابس الداخلية التي تم العثور عليها في منزل في غزة.
ويظهر مقطع آخر جنديا يحاول إشعال النار في إمدادات الغذاء والمياه النادرة في غزة.
وفي صورة يجلس جندي إسرائيلي أمام غرفة تحت شعار "محكمة حاخامات خانيونس"، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية ومسلحي الفصائل الفلسطينية في المدينة والمناطق المحيطة بها، حيث شن الجيش هجوم جديدا على جنوب القطاع الأسبوع الماضي.
وفي صورة أخرى، يقف جندي بجوار كلمات مكتوبة باللون الأحمر على مبنى تقول "بدلا من محو الكتابة على الجدران، دعونا نمحو غزة".
أظهر مقطع مسجل مصور نشره الإعلامي الإسرائيلي المحافظ ينون ماغال على موقع إكس، عشرات الجنود يرقصون في دائرة، على ما يبدو في غزة، ويغنون أغنية تتضمن عبارة: "غزة جئنا لننتصر، نحن نعرف شعارنا، لا أحد غير متورط".
ولقي التسجيل المصور، الذي حصل عليه ماغال من فيسبوك، ما يقرب من 200 ألف مشاهدة على حسابه وتمت مشاركته على نطاق واسع على حسابات أخرى.
وقال ماغال إنه لا يعرف الجنود المتورطين. لكن وكالة أسوشيتدبرس تحققت من الخلفيات والزي الرسمي واللغة التي سمعت في المقاطع، ووجدتها متوافقة مع التقارير المستقلة.
واضاف ماغال "هؤلاء مقاتلونا، إنهم يقاتلون القتلة المتوحشين، وبعد ما فعلوه بنا، ليس علينا أن ندافع عن أنفسنا أمام أي شخص".
وذكر أن المقطع المصور ضرب على وتر حساس بين الإسرائيليين الذين باتوا بحاجة لرؤية قوة جيشهم. فالأغنية هي نشيد نادي "بيتار القدس لكرة القدم، والذي يمتلك مشجعوه المتشددون تاريخا من الهتافات العنصرية ضد العرب".
أدان البعض مقاطع مصورة أخرى، وبينها نهب متجر لألعاب الأطفال في مخيم جباليا شمالي غزة على ما يبدو، حيث حطم جندي بعض الألعاب، وقطع رأس تمثال بلاستيكي.
وبث أسامة حمدان، أحد كبار مسؤولي حماس، مقطع الجندي في متجر ألعاب الأطفال خلال مؤتمر صحفي ببيروت. ووصف اللقطات بأنها مثيرة للاشمئزاز.
أدان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانييل هاغاري، يوم الأحد 10 ديسمبر، السلوكيات التي ظهرت في المقاطع المصورة. وقال "على أية حال، هذا لا يتوافق مع قيم الجيش الإسرائيلي، سيتم اتخاذ خطوات قيادية وتأديبية".
حول الجيش الإسرائيلي مدارس، اتخذها عشرات آلاف النازحين ملاجئ إيواء، إلى مراكز عسكرية وإعدامات ميدانية، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وتلقى المرصد الأورومتوسطي شهادات عن تنفيذ قوات الجيش الإسرائيلي عمليات إعدام ميداني وقتل دون أي مبرر ضد مدنيين فلسطينيين بعد احتجازهم لأيام داخل مدارس لجئوا للنزوح إليها.
وتم العثور 15 جثة متحللة لفلسطينيين، تعرضوا لإعدامات ميدانية خلال استجوابهم في مدرسة شادية أبو غزالة الحكومية في منطقة الفالوجة غرب مخيم جباليا.
وذكر أن الشهادات أظهرت فظائع إنسانية مروعة وعمليات قتل لم يكن لها أي مبرر طالت مدنيين بعد الإفراج عنهم، ما يدلل على أنه لا يوجد أي سبب لإطلاق النار عليهم وقتلهم سواء إشباع رغبات دموية للجنود وتعبيرا عن الاستباحة الشاملة للمدنيين الفلسطينيين.
وأفاد نازحون بتعرضهم لإطلاق نار عشوائي خلال نزوحهم في مدرسة صلاح الدين في مدينة غزة قبل ثلاثة أيام، خلال اقتحام وحشي من الجيش الإسرائيلي بعد تفجير أسوار المدرسة، وإطلاقه النار عشوائيا ما أدى مقتل حوالي 50 شخصا.
ووفق متابعات ميدانية وإفادات شهود عيان، فإن القوات الإسرائيلية اقتحمت مدرسة العائلة المقدسة واعتقلت من يوجد بهما من الذكور، ونكلت بهم وأفرجت عن بعضهم وأخضع آخرون للتعذيب الشديد.
في الأسبوع الماضي، بثّت قنوات إسرائيلية مقاطع فيديو تظهر عشرات الفلسطينيين بملابسهم الداخلية، معصوبي الأعين، تحت حراسة جنود إسرائيليين في قطاع غزة، ما أثار جدلاً على شبكات التواصل الاجتماعي وقلقاً في العديد من العواصم.
وكانت الولايات المتحدة أعربت علناً عن "قلقها" إزاء نشر هذه الصور، وأشارت إلى أنّها طلبت توضيحات من السلطات الإسرائيلية.
في البداية، أنكر الجيش الإسرائيلي نشر الصور، لكن هاغاري قال يوم الإثنين 11 ديسمبر إن جنوده جردوا المعتقلين الفلسطينيين من ملابسهم للتأكد من أنهم لا يرتدون سترات ناسفة.
ويبدو أن الأمر تسبب في انتقادات أكثر مما تخيلت إسرائيل.
بعدها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء 13 ديسمبر، أنّ إسرائيل أقرّت بأنّ التقاط ونشر صور لعشرات المعتقلين الفلسطينيين في قطاع غزة مجرّدين من ملابسهم كان غير مناسب وتعهّدت التخلّي عن هذه الممارسة.
وفي نفس اليوم، قال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال مؤتمره الصحافي اليومي إنّ الإسرائيليين "أوضحوا لنا أنّه لم يكن ينبغي التقاط هذه الصور، ولم يكن ينبغي بثّها، وأوضحوا أنّ تلك لن تكون من ممارساتهم في المستقبل، وأنهم إذا قاموا بتفتيش معتقلين سيعيدون إليهم ملابسهم على الفور".
وأضاف "الأمر متروك لإسرائيل لتقرّر ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لتفتيش المعتقلين. لكن إذا اتّخذت إجراءات لخلع ملابس المعتقلين. فالمهمّ هو أن يعيدوا إليهم ملابسهم على الفور وأن يتصرفوا بطريقة تتماشى مع المعاملة الإنسانية للمحتجزين".
في المقابل، تعرضت حماس لانتقادات لاذعة بسبب نشرها سلسلة مقاطع مصورة لرهائن إسرائيليين. ارتدى مقاتلو حماس كاميرات أثناء هجوم السابع من 7 أكتوبر خلال هجماتهم على منازل.
ويقول غسان الخطيب، الوزير الفلسطيني السابق ومفاوض السلام، إنه لا يتذكر الوقت الذي كان فيه كل جانب غير مستعد للنظر إلى آلام الجانب الآخر.
وأضاف الخطيب، الذي يدرس العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية، "في السابق، كان هناك أشخاص مهتمون برؤية وجهتي النظر، أما الآن فكل جانب منغلق على نفسه ولا يرى سوى روايته الخاصة، ومعلوماته الخاصة، وقواعده الخاصة، ومنظوره الخاص".
وقال عيران هالبرين، الأستاذ في قسم علم النفس بالجامعة العبرية، "ربما كان هناك المزيد من الإدانة لهذا النوع من الصور والمقاطع المصورة داخل المجتمع الإسرائيلي خلال الحروب السابقة بين إسرائيل وحماس".
لكنه أضاف أن هجوم ٧ أكتوبر، الذي كشف عن نقاط ضعف وإخفاقات كبيرة بالجيش، تسبب في صدمة وإذلال للإسرائيليين بطريقة لم تحدث من قبل.
وتابع قائلا "عندما يشعر الناس بأنهم تعرضوا للإهانة، فإن إيذاء مصدر هذا الإذلال لا يمثل مشكلة أخلاقية بالنسبة لهم. عندما يشعر الناس أن وجودهم مهدد، فإنهم لا يملكون القدرة الذهنية على التعاطف أو تطبيق الأحكام الأخلاقية عند التفكير في العدو".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة