"نساء المتعة".. الفصل الأصعب في علاقات كوريا الجنوبية واليابان

كانت كيم هاك سون فتاة يافعة، ابنة الـ17 عاما حينما سلمها والدها بالتبني للجيش الياباني، لتعيش حياة "نساء المتعة" المأساوية في منشوريا، لكنها استطاعت الهروب بمساعدة أحد التجار الكوريين لشبه الجزيرة الكورية عام 1946، لتتزوج وتنجب، لكن تأبى المآسي أن تتركها فقد قُتل زوجها في الحرب الكورية ولحقه الابن غرقا، لتواجه الحياة وحيدة تتولى شؤونها بنفسها كعاملة يومية، وبائعة متجولة، ومدبرة منزل.

رغم مرور السنوات، ظلت كيم صامتة حتى مطلع تسعينيات القرن العشرين، حينما أعلنت اليابان أنها غير متورطة في قضية نساء المتعة لتعلن عن غضبها، وتقرر الإدلاء بشهادتها علنا وتطلب اعتذار اليابان وترفع قضية للتعويض، وتستكمل سنواتها المتبقية ناشطة قبل وفاتها عام ١٩٩٧ تاركة وصية تطلب اعتذار اليابان، ويصبح ١٤ أغسطس ١٩٩١ حينما أدلت كيم بشهادتها اليوم الذي بدأ منه الخط الساخن لشهادات الضحايا، بحسب موسوعة الثقافة الكورية التابعة لأكاديمية الدراسات الكورية في سول.

ورغم تعدد الشهادات للناجيات فإنه لم يكن هناك تعداد دقيق لهؤلاء الضحايا اللائي كن من كوريا وتايوان ثم لاحقا من الأراضي المحتلة في الصين والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام وميانمار، بالإضافة إلى النساء الهولنديات اللاتي يعشن في إندونيسيا، ليتراوح العدد الإجمالي بين ٣٠ ألفا و٤٠٠ ألف امرأة في أقصى تقدير، بحسب موقع المعهد الوطني للتاريخ الكوري.

مع المحاولات والمطالبات، توصلت كوريا الجنوبية واليابان لاتفاق عام ٢٠١٥ يقضي بالاعتذار وتقديم مليار ين (9.4 مليون دولار) لمساعدة الضحايا، لكن هذا الاتفاق لم يكن كافيا من وجهة نظر صاحبات القضية اللائي رأين أن الأمر لم ينته، خاصة مع تصريح وزير الخارجية الياباني حينها فوميو كيشيدا، الإثنين، أن هذه الأموال تهدف الى "إعادة الاعتبار للنساء"، لكنها ليست تعويضا رسميا، بحسب رويترز وفرانس برس.

وحينما تغيّرت الإدارة في سول، طلبت التي يقودها الرئيس مون جيه إن (٢٠١٧- ٢٠٢٢) من طوكيو مزيدا من الإجراءات تجاه الضحايا وإعادة النظر في الاتفاق المبرم، وهو ما رفضته اليابان التي ترى بالأساس أن القضايا الخلافية قد تم تعويضها عبر ما دُفع بموجب اتفاقية تطبيع العلاقات بين البلدين عام ١٩٦٥.

أمام ذلك، رفعت ١٦ من الضحايا قضية عام ٢٠١٦ طالبن فيها بالتعويض لكل واحدة منهن بـ200 مليون وون (153,863 دولارا أميركيا)، لكن محكمة منطقة سول المركزية رفضت القضية في عام 2021، بحسب وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية.

وفي نوفمبر الماضي، رفضت محكمة الاستئناف ما قضت به محكمة منطقة سول المركزية لتأمر اليابان بالتعويض، ليتأكد الأمر مع عدم استئناف طوكيو على القضية، بحسب الوكالة الكورية الجنوبية.

ومع مرور السنوات والعقود تتبقى ٩ سيدات فقط من ضحايا الاسترقاق الجنسي مع وفاة ضحية أخرى في مايو الماضي، ويتراوح متوسط أعمارهن عند ٩٤.٤ سنة، بحسب صحيفة هانكيوريه الكورية الجنوبية.

في حال عدم تقديم الحكومة اليابانية تعويضا للضحايا فسيحددن -أي الضحايا- الأصول اليابانية التي يمكن للمحكمة الاستيلاء عليها وخوض معركة قانونية أخرى، وهو ما يتشابه مع ما حدث في قضية ضحايا العمالة القسرية الكورية في وقت الحرب.

فقد أصدرت المحكمة العليا في سول عام ٢٠١٨ حكما أمرت خلاله شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة المحدودة بتعويض ١٠ كوريين وكوريات عملوا بالسخرة خلال الحرب العالمية الثانية حيث كانت شبه الجزيرة الكورية واقعة تحت الاحتلال الياباني، بحسب وكالة أنباء يونهاب.

تفاقم الخلاف ليصل في يوليو من عام ٢٠١٩ إلى فرض طوكيو قيودا على تصدير شركات يابانية لـ٣ مواد مستخدمة في صنع أشباه الموصلات إلى كوريا الجنوبية.

ومع تغير السلطة الحاكمة في كوريا الجنوبية ومساعي إعادة تطبيع العلاقات بين سول وطوكيو انتهى الخلاف بين حليفي الولايات المتحدة، ورُفعت قيود التصدير عن المواد المستخدمة في تصنيع أشباه الموصلات.