سياسة
.
من تحت سقف كرفانه وسط مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، يمضي عماد الكفري ساعات طويلة بين ألوانه الزيتية وأوراقه البيضاء، يتأمل واقع اللجوء الذي يعيشه هو وعائلته، ويحلم كغيره بحياة طبيعية رغم أن انتظارها قد طال.
عماد يدرك أن هذا الواقع غير مناسب له كفنان تشكيلي، ولا يتناسب مع أطفاله الأربعة الذين بدأوا يسألون والدهم بإلحاح : "لماذا نحن هنا في هذا المخيم ولا يوجد لنا منزل خاص بنا، وهل سنبقى هنا؟ وأين هي سوريا وكيف هو شكل درعا التي ننتمي لها؟".
هذا الأب يعلم أن هذه الاسئلة مشروعة، ولكن عند الإجابة عليها يشعر بغصة كبيرة تعود به إلى بداية الأزمة السورية، وكيف شكّل عام 2014 نقلة صادمة له ولعائلته التي حملت نفسها وأحلامها إلى الأردن بحثاً عن الأمان.
يقول الكفري (35 عاماً) في حديثه لبلينكس "أحاول جاهداً أن أوفر لابنائي ما يحتاجونه من متطلبات، وأشارك دوماً في المعارض الفنية والبازارات، وتحظى لوحاتي بإعجاب من يراها، ومن هنا أكسب الدخل القليل من وراء هذه الموهبة التي منحني إياها الله، ولكنه دخل متقطع لا نستطيع التعويل عليه".
قصة هذا الأب كقصة العديد من الأهالي الذين بات حلمهم الحصول على عمل في ظل ندرة هذه الفرص، وفي ظل ظروف ازدادت تعقيداً نتيجة للأزمات الجيوسياسية التي تواجه العالم، حيث أصبح ملف اللاجئين السوريين من الملفات المنسية على طاولة المجتمع الدولي.
يستضيف الأردن على أراضيه من الشعب السوري، بحسب التصريحات الرسمية نحو 1.3 مليون سوري، ما يمثل 15 في المئة من إجمالي السكان، أما عدد السوريين المسجلين بصفة لاجىء يبلغ حوالي 650 ألف.
ويعيش أكثر من 80٪ منهم بين الأردنيين في المجتمعات المضيفة، فيما يقطن الباقون في المخيمات التي يبلغ عددها 5 مخيمات، أكبرها مخيم الزعتري الذي يأوي حوالي 80 ألف لاجئ.
في المقابل فإن حال الشابة السورية تسنيم الصالح (21 عاما) من ذات المخيم، يتصف بالتعقيد بحسب وصفها. فقد أنهت دراستها من تخصص تصميم الأزياء ومنذ تلك اللحظة أي قبل عام ولغاية الآن، تبحث عن مؤسسة للعمل بها.
تسنيم تعيش هي وعائلتها منذ عام 2013 في الزعتري. هذه العائلة المكونة من 6 أفراد، تعتمد في دخلها على المساعدات التي تقدم لهم كغيرهم من اللاجئين من أجل شراء المواد الغذائية، حيث يحصل الشخص على قيمة 15 ديناراً أي ما يوازي 20 دولاراً بشكل شهري.
تفكر تسنيم في معيشتها وما هي الخيارات المتاحة أمامها للخروج من هذا المخيم، فهي تشعر أنها حبيسة واقع ترفضه، خاصة وأن لديها طموحات تتناقض مع معطيات محيطها، وفي ذات الوقت لديها أمل بأن تحدث معجزة تغير الأوضاع.
كل من تسنيم وعماد يحاصرهما التفكير حول المستقبل، فالأب الذي لديه أربعة أطفال يفكر بتأمين مستقبل أولاده بما يضمن لهم العيش بأمان، والحصول على التعليم، العمل، الصحة وغير ذلك من حقوق.
أما خيار العودة بالنسبة لعماد، خاصةً أن منزله في درعا ما زال قائماً وبحالة جيدة، فهذا الخيار وفقاً له، رهين بمجموعة من الترتيبات، أبرزها "وجود ضمانات بأن عودتنا ستكون آمنة فضلاً عن ضمانة توفر عمل مناسب يدر دخلا متوازيا مع غلاء المعيشة، وغيرها من الظروف".
ويجد عماد، أن العودة إن لم تتحقق، فعليه أن يسعى ليبدأ مشروعه الخاص في المخيم ليعرض أعماله الفنية، ويطوّر هذه الموهبة ويحسن من أوضاع عائلته المادية.
أما تسنيم تعترف أن قرار العودة غير وارد لدى عائلتها هذه الفترة، وأن أغلب عائلتها تتمنى أن "يرزقهم الله" هجرة إلى دولة أوروبية حتى يتغير حالهم، رغم معرفتهم أن باب الهجرة بعد الحرب الروسية الأوكرانية قد أغلق نوعاً ما، وأن الفرص باتت قليلة جداً.
وتطمح هذه الفتاة بأن تكمل تعليمها الجامعي في تخصص الهندسة الزراعية، فهو حلمها الذي تحلم به منذ الصغر، أما ما درسته في تصميم الأزياء فهو تطوير لمهاراتها ولموهبتها في التصميم.
تختم تسنيم بالقول لبلينكس "حياتنا كشابات سوريات نطمح ونحلم ونتمنى، وتبقى هذه الأفعال تحت سماء هذه المخيم للأسف، الواقع يجعلنا نتجه إلى مسارات عدم إكمال الدراسة الجامعية، أو الزواج المبكر، أو العمل في مزارع الخضار لمساندة العائلة، وجميعها مسارات مؤلمة لشابات بعمر الزهور".
يطمح هؤلاء الشباب في الحصول على حقوقهم الطبيعية، مع إدراكهم أنّ حالة اللجوء من المفترض أن تكون مؤقتة، وإن طالت مدتها فمن المفترض أن يتحرك المجتمع الدولي لمساندتهم.
مع العلم أن هذا الافتراض يتناقض مع ما يجري على أرض الواقع.
وفقاً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، فإن منصة خطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية، قدّرت حجم التمويل الذي حصل عليه الأردن للأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بـ 212.4 مليون دولار من أصل 968.707 مليون دولار، متطلبات التمويل للعام الحالي، وبنسبة تمويل 22 %، بحيث تركز معظم التمويل على تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، ومن هنا فإن فجوة العجز تعد كبيرة.
مع العلم أن التحذيرات التي تخرج من مؤسسات متخصصة متعددة في وصف أوضاعهم المأساوية، ففي دراسة حديثة أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أظهرت أنه لا يزال معظم اللاجئين على وشك الوقوع في براثن الفقر.
ويقدر أن نحو 64 % من اللاجئين يعيشون حالياً على أقل من 3 دنانير أردنية في اليوم. بالإضافة إلى ذلك، تقول الدراسة إن 90 % من عائلات اللاجئين يستخدمون استراتيجية واحدة على الأقل للتكيف السلبي، مثل الحد من تناول الطعام أو شراء السلع المنزلية عن طريق الدين الآجل، من أجل الاستمرار في حياتهم اليومية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة