كفى دماء.. نساء يحاربن "التعبئة الروسية"

بعد أيام قلائل من إطلاق حملة تعبئة جنود الاحتياط في روسيا، انقلبت حياة ماريا سيميونوفا رأسا على عقب، إذ زارت منزلها عناصر أمنية سلمت صديقها أوراق تجنيده، وبعد 6 أسابيع فقط من التدريب، أُرسل إلى جبهة القتال.

تقيم سيميونوفا الآن في موسكو منفردة، لكنها لا تزال تذكر لحظات تجنيد صديقها فتقول: "أتذكر ذلك اليوم كما لو كان يوم أمس، كنت أرتجف".

الحرب ألقت بثقلها على حياة الشابة العشرينية أيضا، فبعد رحيل صديقها للجبهة، اضطرت لطلب إجازة لمدة أسبوع من عملها بسبب عدم قدرتها على التركيز، وانتهى بها الأمر بالاستقالة.

ناشدت سيميونوفا مرارا الرئيس فلاديمير بوتين وغيره من كبار المسؤولين، لكن دون جدوى. وعندما عاد رفيقها في إجازته الأولى، بدا "أكثر قسوة" وفي المرة التالية كان ثملا في أغلب الأوقات وراودته كوابيس عن الجبهة.

في أحد أيام شهر ديسمبر، وضعت سيميونوفا زهور القرنفل البيضاء على قبر الجندي المجهول، قرب جدران الكرملين، تعبيرا عن احتجاجها، برفقة عشر نساء أخريات.

ومؤخرا ظهرت العديد من المجموعات المخصصة لأقارب الجنود الذين تمت تعبئتهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضم إحدى هذه المجموعات التي أُنشئت على تليغرام باسم "طريق العودة إلى المنزل" أكثر من 38 ألف متابع.

لكن وسائل الإعلام الحكومية تتجاهل نشاط تلك المجموعات بصورة كبيرة، إذ تثير القضية حساسية بالنسبة للكرملين الذي يحرص على إظهار الالتفاف حول بوتين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس 2024.

أما ألكسندرا، فهي أم لطفلين وتحمل طفلها الثالث، وهي في الثلاثينيات من العمر، غادرت شرق أوكرانيا في 2018 لتستقر في روسيا مع زوجها العامل في منجم، الذي أصبح جنديا أيضا بين ليلة وضحاها.

تعمل ألكسندرا طاهية وتقيم في منطقة مورمانسك في أقصى الشمال الروسي وتقول بأسف: "إن حكومتنا لا تسمعنا، ولا حتى قنواتنا التلفزيونية، لا أحد يستمع إلينا".

انضم زوج ألكسندرا إلى التعبئة في أكتوبر 2022، وتبلغ رواتب المجندين من أمثال زوجها نحو 200 ألف روبل، أي نحو 2211 دولارا أميركيا، وهو مبلغ مرتفع نسبيا في روسيا.

لكن قسما كبيرا من هذه الأموال يذهب لشراء معدات إضافية لا يوفرها لهم الجيش. ومن ثم يصعب على العديد من النساء تحمل هذا العبء، خصوصا عندما يكون لديهن أطفال.

أنتونينا، وهي إحدى النساء المعارضات لحملات التعبئة، قالت إنها اضطرت لترك وظيفتها والبدء في استشارة معالج نفسي بعد استدعاء شريكها، وازداد وزنها 25 كيلوغراما وأصيبت بسكتة دماغية صغيرة.

وتقول عن حالتها: "انهار كل شيء، أحاول ألا أشاهد الأخبار. لا أنتظر سوى مكالماته".

تعارض أنتونينا ونساء أخريات حملة ثانية من التعبئة، حتى وإن كانت تلك هي الطريقة الوحيدة لعودة أقاربهن من الجبهة. فتقول: "لا أريد أن يمر أي شخص آخر بما أمر به".

ورغم أن أيا من النساء الثلاث اللواتي قابلتهن وكالة فرانس برس لم تتعرض لأعمال انتقامية من السلطة بسبب نشاطها، فهن يدركن أنهن يلعبن بالنار.

وقالت ألكسندرا "أخشى أن يُقتل زوجي بسبب ما أفعله، وأخشى أن يُرسل أطفالي إلى دار للأيتام، وأن أُسجن".

وأكدن جميعهن أنهن تعرضن للإهانات عبر الإنترنت، من مؤيدين للحملة الروسية في أوكرانيا ومعارضين لها.

وأضافت ألكسندرا "أنا وحيدة في معاناتي.. أريد فقط أن ينتهي هذا الكابوس. ينبغي ألا يقتل الناس بعضهم بعضا".

وختمت: "ارتكبنا خطأ فادحا" في أوكرانيا "أريد أن يدرك الناس ذلك وأن يعم السلام".