انتخابات بلديات تركيا.. لماذا تحتدم المنافسة على إسطنبول؟

تأتي انتخابات الإدارة المحلية المقبلة بعد "محطة مايو"، التي فاز بها أردوغان بولاية رئاسية جديدة، وحاز حزبه وحليفه "الحركة القومية" على الأغلبية في البرلمان.

وتكتسب أهميتها من زاوية تتعلق بالاستحقاق السابق الذي حصل في 2018، والذي أنهى فيه أكرم إمام أوغلو 25 عاماً من حكم "العدالة والتنمية" على إسطنبول.

كما خسر الحزب الحاكم بلدية أنقرة لصالح "حزب الشعب الجمهوري" المعارض، وهو ما اعتبر "ضربة كبيرة" لا تزال ارتداداتها قائمة حتى الآن.

ودفعت هاتان المدينتان أردوغان في كثير من الأحيان إلى الحديث عن استعدادات وتحضيرات لخوض "معركة مقبلة" تستهدف استعادة المدن الكبرى.

ليست إسطنبول فحسب، وإنما أنقرة وأضنة وأنطاليا ومرسين حتى إزمير "ومن أيدي من لا يتمتعون بالكفاءة"، كما قال الرئيس التركي في خطاب النصر، شهر مايو الماضي.

يربط كثير من المراقبين احتدام المنافسة وبشكل متكرر على إسطنبول، كون منصب العمدة فيها شكّل بداية حياة أردوغان السياسية.

كما كانت إسطنبول المحطة التي صعد من خلالها بالتدريج حتى وصل إلى كرسي الرئاسة.

ومع ذلك، هناك جانب آخر للقصة كما يرى المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، إذ يشير إلى أن انتخابات البلديات خاصة إسطنبول تحمل "أهمية قصوى"، كونها تمثل مقياساً للنبض الشعبي، ومدى شعبية كل حزب سياسي في داخل البلاد.

يعود كاتب أوغلو بالذاكرة إلى الوراء، ويقول لـ"بلينكس"، إن "خسارة بلديتي إسطنبول وأنقرة في 2018 كانت لها صدى كبير، وكشفت عن عدم رضا الناخب التركي" بشأن عدم تطوير الكثير من الخدمات ومن جانب "العدالة والتنمية".

لكن ومنذ تلك الفترة وحتى 2023 أعطى الحزب الحاكم أهمية استثنائية لمتطلبات هاتين المدينتين.

المحلل السياسي يوضح أن "عمدة إسطنبول يحمل أهمية قصوى، كون المدينة من أكثر 10 مدن في العالم اكتظاظاً بالسكان".

وتعد بلدية إسطنبول الكبرى في حد ذاتها "ضخمة"، كون ميزانيتها تزيد على 31 مليار دولار، وترتبط بها 31 بلدية فرعية.

ويضيف كاتب أوغلو: "الحزب الذي يفوز بإسطنبول وكأنه فاز أو سيكون مرشحاً قوياً للفوز بباقي البلديات في البلاد".

وبحسب وجهة نظر الباحث في الشأن التركي، محمود علوش ستكون إسطنبول محور المنافسة بين تحالف الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، لـ5 عوامل واعتبارات.

العامل الأول أن المدينة تحظى بأهمية كبيرة في السياسة الداخلية في تركيا وازدادت بشكل أكبر منذ أن استطاعت المعارضة انتزاع السيطرة عليها في 2018.

العامل الثاني يتعلق بطموحات أردوغان في ولايته الرئاسية الجديدة، باستعادة السيطرة على البلديات الحضرية الكبرى، التي خسرها في الانتخابات السابقة، وبالتالي تكتسب إسطنبول أهمية كونها "هدفاً لأردوغان".

العامل الثالث يتعلق بأن انتخابات إسطنبول ستحدد مدى قدرة المعارضة على الحفاظ أو في الحفاظ على تأثيرها في المعادلة السياسية الداخلية منذ الهزيمة التي منيت بها في مايو الماضي.

ويوضح علوش لـ"بلينكس": "في حال لم تنجح في الاحتفاظ ببلدية إسطنبول ستكون قدرتها محدودة على تشكيل مكانة سياسية فعالة في السياسة الداخلية".

يتعلق العامل الرابع الذي يستعرضه الباحث علوش بالمستقبل السياسي لإمام أوغلو، وهو الذي يطمح ليس للحفاظ على البلدية؛ وإنما ينظر لرئاستها على أنها بوابة للوصول لرئاسة الجمهورية.

ويقول الباحث: "في حال فشل في الاحتفاظ سيشكل ذلك انتكاسة كبيرة له على صعيد مسيرته السياسية".

وفي غضون ذلك يرتبط العامل الخامس بأهمية الانتخابات وتداعياتها على حزب الشعب الجمهوري بالخصوص.

وكان الحزب وهو أكبر أحزاب المعارضة قد واجه منذ مايو تحولات كبيرة، انتهت بتعيين زعيم جديد له خلفاً لكمال كليتشدار أوغلو.

ويعتقد علوش أن "أي هزيمة أخرى للمعارضة والحزب ستؤدي إلى هزة كبيرة إضافية أو جديدة داخل الحزب".

وتشكّل إسطنبول أهمية على ديناميكية السياسة الداخلية في تركيا، "من بوابة أنها أكبر المدن من حيث عدد السكان وتشكل المركز الاقتصادي".

وبالتالي من يستطيع السيطرة على إسطنبول "ستكون له قدرة في التأثير على ديناميكيات متعددة في السياسة الداخلية لتركيا"، وفق الباحث.

تتداول الأوساط المقربة من الحزب الحاكم على نحو كبير ومنذ يومين اسم مراد كوروم، وتقول إن أردوغان سيعلنه الأحد مرشحاً لرئاسة إسطنبول.

ومع ذلك تشير أوساط أخرى إلى اسم وزير الداخلية، علي يرلي كايا، إذ تربط صعوده منذ تعيينه في المنصب على أنه بداية أو تمهيد للترشح.

ويوضح المحلل السياسي كاتب أوغلو، نقلاً عن مصادر خاصة، أن مرشح "العدالة والتنمية" سيكون مراد كوروم، الذي كان يشغل منصب وزير البيئة والتطوير العمراني، قبل أن يصبح نائباً في البرلمان في انتخابات مايو الماضي.

ويعتبر المحلل أن "اختياره صائباً كونه يستطيع أن ينافس إمام أوغلو، من ناحية الفئة الشبابية وخبرته الطويلة".

تسلسل كوروم في إدارة "توكي" وهي واحدة من أهم شركات الإنشاء العقارية في تركيا، وأصبح وزيراً للإسكان، و"الآن يستطيع أن يكون مرشحاً قوياً لبلدية إسطنبول"، كما يضيف كاتب أوغلو.

ويشير من جانب آخر إلى تورغوت ألتينوك، وأنه سيكون مرشحاً لبلدية أنقرة، على أن يتم الإعلان عن اسمه رسمياً في 17 يناير الحالي.