ماذا يحدث "داخل الفقاعة"؟.. الإسرائيليون لا يلومون أنفسهم

"انسحبنا من غزة وأطلقت علينا الصواريخ في المقابل"، هذه أبرز عبارة يرددها الإسرائيليون على المستوى القيادي والشعبي حتى أصبحت جزءا من الوعي الإسرائيلي.

يردد أنصار اليمين واليسار على حد سواء عبارات بهذا المعنى، لتبرير استمرار الاحتلال في الضفة الغربية، عبر استخدام غزة كفزاعة للقول بأنه إذا تخلت إسرائيل عن سيطرتها عن الضفة، فستحكمها حماس وتستخدمها لشن هجمات.

ناشط السلام الإسرائيلي جيرشوم جورنبيرغ يقول إن هذه "القراءة غير الواضحة للماضي أحد مكامن القوة التي يتمتع بها اليمين الإسرائيلي، فهي تثبت أن إسرائيل ينبغي لها ألا تتنازل مرة أخرى عن الأراضي للفلسطينيين، كما أنها تعمل على تضخيم الشكوك حول السلام مع الفلسطينيين حتى بين الإسرائيليين المعتدلين".

يقول غورنبيرغ إن هذه العبارات تمثّل "ذاكرة نصف صحيحة فقط، وخادعة بصورة خطيرة".

يشرح ناشط السلام الإسرائيلي، أن الإسرائيليين يتناسون أن فك الارتباط من غزة عام 2005 كان أحادياً، ولم يكن جزءا من عملية السلام، وإنما قام به آرييل شارون كخطوة أمنية لخفض عدد الإسرائيليين الموجودين في مراكز الثقل الفلسطيني، مثل غزة، لخفض الاحتكاك بين الجانبين.

في الوقت نفسه، تزامن فك الارتباط مع فرض الحصار الإسرائيلي على غزة وخنق اقتصاده وسكانه، وحرمان عشرات آلاف العمال الفلسطينيين في القطاع من الذهاب لأعمالهم داخل الخط الأخضر وفي الضفة، ما أدى إلى"أسوأ أزمة كساد اقتصادي في العصر الحديث" بحسب أستاذة الاقتصاد في جامعة هارفارد، سارة روي.

الدكتورة شيندلين تقول إن الإسرائيليين اليوم يرددون تلك العبارة بشكل آخر ويقولون إن الانسحاب من غزة عام 2005 هو ما أدى لهجوم 7 أكتوبر.

هذه العبارة تمثل مدخلًا لنقطتين، بحسب شيندلين:

• الأولى: الدفاع عن استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في الضفة بصورة لا نهائية.
• الثانية: دعوة أنصار اليمين الإسرائيلي إلى إعادة احتلال غزة.

"لم يضيّعوا أي فرصة لتضييع الفرص" هذه العبارة الشهيرة دارجة في المجال السياسي الإسرائيلي لعقود، ويقصدون فيها أن الفلسطينيين يرفضون أي مقترح للسلام يقدم لهم، وأن إسرائيل جربت الحل السلمي مع الفلسطينيين لكنه لم ينجح.

تقول أستاذة الاقتصاد وخبيرة استطلاعات الرأي الإسرائيلية داليا شيندلين، إن الإسرائيليين يعيدون مؤخراً تكرار هذه العبارة، لكن ببعد آخر جديد، هو أن هجوم 7 أكتوبر "أثبت أن الفلسطينيين يفضلون خيار قتل اليهود، على خيار الحرية الفلسطينية، وأن هناك علاقة بين أوسلو وطوفان الأقصى".

تشرح شيندلين "عندما يقوم الحلفاء مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإشارة في خطابهم إلى إحياء حل الدولتين في أعقاب الهجوم والحرب، يشعر الإسرائيليون بالحيرة ويردون بصفة جماعية: ألم نفعل ذلك؟".

مبعوث نتنياهو لملف الأسرى والمختطفين، غال هيرش، كرر نفس الجملة مؤخراً عندما اجتمع بسفراء الاتحاد الأوروبي في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وصاح بوجههم أنهم هم السبب فيما وصل إليه الوضع اليوم بسبب دعمهم لاتفاق أوسلو وعملية السلام، حسب ما نقلت صحيفة هآرتس في تغطيتها للاجتماع العاصف.

لكن شيندلين تقول إن تلك الصورة مغلوطة، وتشرح: "في أحسن الأحوال، الإسرائيليون والفلسطينيون بذلوا جهوداً للتوصل إلى حل للوضع النهائي للصراع، ولكنها باءت بالفشل".

وتضيف الخبيرة السياسية "يمكن لكل جانب أن يلوم الطرف الآخر، ولكن ما لا يمكننا فعله هو إلقاء اللوم على فشل السلام، فيما حدث في 7 أكتوبر".

شيندلين تقول إن "الصراع المستمر والاحتلال أديا بصورة حتمية لانفجار العنف، كما يحدث في كل مكان عندما تظل الصراعات دون حل. وقد تفاقم هذا الأمر بسبب السياسة الفاشلة المتمثلة في عزل غزة تحت حصار ساحق أضر بالمدنيين بدلاً من المساعدة على استتباب الأمن هناك".

الإسرائيليون ليسوا وحدهم من يعيشون في فقاعة عندما يتعلق الأمر بالصراع، فالمجتمع الدولي يعيش في عالم موازٍ آخر، بحسب داليا شيندلين.

"تصيب الحيرة المجتمع الدولي بشأن السبب الذي يجعل الإسرائيليين لا يأخذون بنصائح كاتب نيويورك تايمز توماس فريدمان، حول ضرورة إنهاء الصراع والتوصل لحل الدولتين".

تشرح شيندلين أن مناشدات الأميركيين والأوروبيين حول حل الدولتين لا يسمعها الإسرائيليون إلا "كهمسات تذمر ناعمة تتسرب من خلال صَدَفة بحرية".

تشير الكاتبة إلى أن المجتمع الدولي يتجاهل عدم قناعة غالبية الإسرائيليين بحل الدولتين من الأساس.

في آخر استطلاع رأي أجرته الكاتبة عام 2022، فضّل37% من الإسرائيليين ضم الأراضي المحتلة دون منح حقوق متساوية لسكانها من الفلسطينيين، في مقابل 34% أيدوا حل الدولتين.

بعد الـ7 من أكتوبر، أظهر استطلاع رأي آخر أن 66% من الإسرائيليين يعارضون المفاوضات مع السلطة الفلسطينية مقابل 24.5% أبدوا تأييدهم.