إسرائيل أمام محكمة العالم.. ماذا نعرف عن "العدل الدولية"؟

حسنا، لنعرف كيف تعمل محكمة العدل الدولية التي ستمثُل أمامها إسرائيل علينا العودة للعام 1945، بالتحديد إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي شكل الجهاز الأممي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الدامية.

بموجب هذا الميثاق، تشكلت ملامح محكمة العدل الدولية كأحد أجهزته الرئيسية، تماما كمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبدأت المحكمة عملها في العام 1946، وتُعرف أيضا باسم محكمة العالم.

حسم النزاعات بالتأكيد، ولكن عن طريق الرجوع للعرف والقانون الدولي، لا استخدام القوة، كما يشرح لبلينكس الدكتور مجيد بودان، رئيس جمعية المحامين الدوليين بباريس.

يقول بودان: "هدف المحكمة هو تحديد مسؤولية الدولة التي تعتدي وحسم النزاع.. وتذهب إليها الدول التي تلتزم بعدم استخدام القوة لحسم النزاعات، وقرارات المحكمة ملزمة لجميع الأطراف وآلية تنفيذها هي مجلس الأمن الدولي".

تعطي المحكمة أيضا آراء استشارية في أي معضلة قانونية تُسند إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى.

ارتبطت محكمة العدل الدولية بصورة عامة بعد الحرب العالمية الثانية، وهي جزء رئيسي من الأمم المتحدة، على عكس المحكمة الجنائية الدولية التي تشكلت بموجب اتفاقية روما، ومن ثم فتعد منظمة دولية مستقلة عن منظمة الأمم المتحدة، كما يوضح لبلينكس الدكتور أنطونيوس أبو كسم، عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة.

هناك اختلاف آخر بين المحكمتين، فالمحكمة الجنائية الدولية اختصاصها قائم على المسؤولية الجنائية الفردية، أي أنها تحاكم أفردا وليس دولا، في حين تحاكم محكمة العدل الدولية الدول.

تتشكل المحكمة من 15 قاضيا، يتولى كل منهم ولاية مدتها 9 سنوات، وذلك عن طريق الانتخاب.

ويتولى انتخاب القضاة كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وينتخب القضاة بالأغلبية العظمى ومن ثم يتطلب الأمر أحيانا أكثر من جولة تصويت لقبول القضاة.

ويُنتخب ثلث قضاة المحكمة كل ثلاث سنوات، ويمكن إعادة انتخاب القضاة أنفسهم غير مرة، بحسب موقع الأمم المتحدة، ولكن لا يجوز أن تضم المحكمة قاضيين من الجنسية نفسها في الوقت ذاته.

يؤكد مجيد بودان، أن المحكمة تضطلع بكل ما هو مسؤولية الدولة، بما يتضمن قضايا ترسيم الحدود أو الاحتلال العسكري أو قضايا انتزاع الملكية أو عدم احترام الحصانات القنصلية والدبلوماسية وكذلك احتجاز دولة لمواطني دولة أخرى بشكل تعسفي.

وبالتأكيد التقاضي بشأن خرق الالتزامات المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهي القضية التي تطرح الآن فيما يخص القتال المشتعل في قطاع غزة المحاصر منذ أكتوبر الماضي.

نعم، أحكام المحكمة ملزمة لجميع أعضاء الأمم المتحدة بموجب المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة، كما يوضح الدكتور أنطونيوس أبو كسم، وفي حالة عدم التزام إحدى الدول بقرار المحكمة تلجأ الدولة الأخرى إلى مجلس الأمن سعيا لتطبيق الحكم الصادر.

ووفقا لـ"بودان"، تغيب آلية التصويت المعتمدة على نظام الفيتو في مجلس الأمن عندما يتعلق الأمر بتنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية، ما يُعطي الدول بارقة أمل في إمكانية تجاوز حسم النزاعات عن طريق القوة، والتشبث بالقانون الدولي بدلا من ذلك.

تقبل الدول ولاية المحكمة بصفة مباشرة ما إذا كانت موقعة على المعاهدات الدولية محل النزاع.

فعلى سبيل المثال، كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل موقعتان على اتفاقية منع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ومن ثم لا نزاع حول قبول اختصاص المحكمة.

في بعض الأحيان يمكن اللجوء إلى وسائل وآليات قانونية تمكن الدول من المضي في إجراءات التقاضي، حتى مع وجود نزاع حول اختصاص المحكمة.

لسوء الحظ، لا تتسم محكمة العدل الدولية بسرعة قراراتها، إلا ان طلبات "التدابير الموقتة" الذي قدمته جنوب أفريقيا في حالة أزمة غزة، لها الأولوية على كل القضايا الأخرى، ومن ثم قد يأتي القرار سريعا نسبيا، أي في غضون أسابيع.

ولكن في المقابل قد يحتاج القرار في جوهر القضية إلى سنوات عدة، حسب وكالة فرانس برس.

بالرغم من أن قرارت المحكمة ملزمة، إلا أنها لا تمتلك أي وسيلة لتطبيقها، وفي هذا السياق يرى إريك دي براباندير، أستاذ القانون الدولي في جامعة لايدن أنه "يجب القبول بمحدودية العدالة الدولية: فهي تعمل لكن فاعليتها تتطلب إرادة سياسية لا تكون متوافرة على الدوام".

فمحكمة العدل الدولية كانت ضالعة أيضا في نزاع آخر قريب، وهو الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن بالرغم من أن المحكمة أمرت بوقف الغزو بعد شهر من انطلاقه، ما تزال الحرب قائمة إلى الآن.

لكن سيلين بارديه، الخبيرة في القانون الدولي وجرائم الحرب، ترى أن أي قرار سيكون له "دلالات رمزية".

وتوضح لوكالة فرانس برس أن "هذا سيذكر العالم بأن الدول مسؤولة أيضا وهذا مهم".

وأضافت: "قد يسمح ذلك للدول أيضا باتخاذ تدابير إثر القرار، من خلال فرض عقوبات على سبيل المثال".