سياسة
.
تسلّحت جنوب أفريقيا في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية بشهادات مسؤولين إسرائيليين ووقائع ارتكبتها إسرائيل في الحرب على غزة.
في المقابل تمتلك إسرائيل 4 أوراق قوة تدفع بها في مواجهة الدعوى، بجانب 3 قضاة متأرجحين من بين 15 قاضيا وقاضية، 6 منهم سيصوت في الغالب لصالح جنوب أفريقيا، و6 منهم لصالح إسرائيل.
فما هي أبرز استراتيجيات الدفاع الإسرائيلية؟ وما هي فرص نجاح تلك الاستراتيجيات؟ وماذا لو خسرت إسرائيل تلك المعركة القضائية؟
"كجيش أخلاقي ملتزم بالقانون الدولي، نبذل جهوداً كبيرة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين".
بصوت هادئ ألقى تلك الكلمات دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء 9 يناير، في تبدل مفاجئ لنبرة صوته وتصريحات التهديد والوعيد التي اعتاد الفلسطينيون في غزة على سماعها منه طوال الأشهر الثلاث الماضية.
أضاف هاغاري "نشعر بالقلق حيال المعاناة في غزة في هذه الحرب التي بدأتها حماس. نحن قلقون لأن حربنا ضد حماس، وليست ضد أهل غزة. فنحن سنعيش بجانبهم".
الهدوء المفرط، والمفاجئ للجيش الإسرائيلي تجاه غزة ليست من قبيل الصدفة، فهاغاري اختار كلماته بعناية قبيل يومين فقط من بدء جلسات الاستماع الطارئة في محكمة العدل الدولية.
"إسرائيل ملزمة بالقانون الدولي، وقوانين الحرب" صرحت بهذا النائبة الإسرائيلية العامة غالي بيهاريف ميارا مساء الثلاثاء بعد 95 يوما من الصمت تجاه ما يحدث في غزة.
النائبة العامة حذرت الساسة الإسرائيليين أن "التصريحات التي تتضمن تحريضا على أذى متعمد لمواطنين غير متورطين في القتال، تتعارض مع السياسة السائدة وقد تشكل جرائم جنائية، بما في ذلك التحريض".
مضيفة: "في هذه الأيام، هناك العديد من الحالات قيد التحقيق من قبل المسؤولين عن إنفاذ القانون".
هذا التعهد القانوني بملاحقة أي سياسي إسرائيلي يحرض على جريمة القتل المتعمد للمدنيين في غزة أو الإبادة الجماعية، يمكن تفسيره بـ"الرغبة في مساعدة محامي الدفاع الإسرائيلي أمام المحكمة".
سيقول محامي الدفاع إن تصريحات القادة الإسرائيليين على إبادة غزة لا يمثل سياسة إسرائيل الرسمية، وأن النيابة الإسرائيلية ستتكفل بملاحقة كل مَن أدلى بتصريحات أولئك الساسة لذلك لا داعي لتدخل المحكمة.
الأمر لم يتوقف على النيابة العامة الإسرائيلية، وإنما هيئة تحرير أشهر الصحف الإسرائيلية، هآرتس، التي طالب مجلسها التحريري في بيان "طرد المتطرفين الذين يحرّضون على ارتكاب جرائم الحرب في غزة لأن تصريحاتهم لا تمثل الواقع".
لكن.. هل يمكن ملاحقة أصحاب تصريحات الإبادة؟
13 وزيرا وأكثر من 20 نائب كنيست وعشرات من رموز الإعلام وقادة الجيش والجنود والضباط والمطربين وحتى رئيس الحكومة، أدلوا بتصريحات تحريضية على مسح غزة.
في تحد واضح لتحذير النائب العام، صرح نائب رئيس الكنيست نيسيم فاتوري صباح الأربعاء 10 يناير بأنه يجب "حرق غزة وقتل كل من فيها لأنهم ليسوا بريئين".
منظمة حقوقية مسجلة في المملكة المتحدة والسويد، استطاعت توثيق ما يزيد عن 500 من تلك التصريحات.
بعد السابع من أكتوبر، أعدت إسرائيل ما عرف باسم "فيلم الرعب".
هو مقطع مصور مدته نحو ساعة يجمع عدة فيديوهات تزعم إسرائيل بأنها من مدن غلاف غزة أثناء وبعد وقوع هجوم طوفان الأقصى.
ونظمت الحكومة الإسرائيلية جلسات عرض المقطع للصحافيين والساسة والدبلوماسيين الغربيين ومسؤولي الأمم المتحدة بهدف صدمهم واستمالتهم وكسب تعاطفهم.
بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن الحكومة الإسرائيلية حضّرت "فيلم الرعب" للعرض أمام قضاة محكمة العدل العليا ودفعهم لمشاهدة نسخة مختصرة منه.
وإذا لم يكن ذلك كافياً، تريد الحكومة الإسرائيلية إحضار عائلات الأسرى المحتجزين في غزة لمحكمة العدل الدولية لاستمالة القضاة لصالحها.
كما نصح رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام، الشاباك، رونين بار بأن تقوم إسرائيل "بإحراج" المحكمة التابعة للأمم المتحدة عبر تقديم "أدلة" تزعم "تورط موظفي أونروا في هجوم السابع من أكتوبر.
تلك الأدلة هي عبارة عن صور من مجموعة تلغرام نسبتها إسرائيل لمدرسين في مدارس الأونروا في غزة، تقول إسرائيل إنهم نشروا عبارات تأييد لهجوم 7 أكتوبر.
في الأسبوع الأول من شهر يناير، سارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إرسال تلغرام عاجل لسفاراتها حول العالم تطلب منهم التحرك بشكل فوري لحث الحكومات الحليفة على رفض وإدانة القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
الخارجية الإسرائيلية طلبت من حلفائها الغربيين أن يشيدوا بقيام إسرائيل "بتوفير المساعدات الإنسانية" لغزة وأنها تحاول "منع الأذى عن المدنيين"، بحسب موقع والا.
بالفعل، سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب إسرائيل ووصفت قضية جنوب أفريقيا ضدها بأنها "لا قيمة لها، وغير مثمرة، ولا أساس لها على الإطلاق بالواقع".
انضمت بريطانيا للموقف الأميركي بقول وزير خارجيتها ديفيد كاميرون "لا أعتقد أن القضية مفيدة. أنا لا أتفق معها. لا أعتقد أنه صحيحة. لا أعتقد أنه ينبغي لنا أن نلتف حول مصطلحات مثل الإبادة الجماعية".
القضية التي ستنظر فيها محكمة العدل الدولية ليست متعلقة بفحص إذا ما كانت إسرائيل ترتكب حالياً جريمة إبادة جماعية، بل تقتصر على إذا ما كانت إسرائيل تنفذ أعمالاً من شأنها أن تؤدي لحالة من الإبادة الجماعية أو أن تعرض سكان غزة لخطر الإبادة، بحسب صحيفة إسرائيل هيوم.
هذا يعني أن الحكم في القضية المستعجلة لن يستغرق الكثير من الوقت، فقد تصدر المحكمة رأيها خلال بضعة أيام أو شهر على أبعد تقدير.
فرص النجاح مستمدة من القضية القانونية التي رفعتها جنوب أفريقيا والأدلة التي استندت عليها وموقف دفاع إسرائيل، لكن تركيبة القضاة والدول التي يمثلونها سيكون لها تأثير كبير على فرص إسرائيل بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
المحكمة حالياً ترأسها قاضية أميركية، ونائبها قاض روسي، وينحدر طاقم قضاتها الحالي المكون من 15 قاضياً من سلوفاكيا وفرنسا والمغرب والصومال والصين وأوغندا والهند وجامايكا ولبنان واليابان وألمانيا وأستراليا والبرازيل.
قضاة المحكمة يتم انتخاب ثلثهم كل 3 سنوات ويحق لهم الترشح لإعادة الانتخاب.
صحيفة يديعوت أحرونوت قالت إن القاضي الفرنسي روني أبراهام يهودي لكن مواقفه معارضة لإسرائيل، بينما قام قضاة سلوفاكيا (بيتر توكما) وروسيا (كيريل جيفورجيان) والهند (دالڤير بهاندارى) بزيارة إسرائيل، وحضر القاضي الصومالي عبد القوي يوسف مأدبة عشاء في منزل سفير إسرائيل في لاهاي.
إسرائيل هيوم قالت إن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن 6 قضاة قد ينحازون إلى الموقف الإسرائيلي، وما لا يقل عن 6 قضاة آخرين سيقفون إلى جانب الفلسطينيين.
القضاة الثلاثة المتبقيين هم مَن سيحسمون القضية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة