قصة إسرائيلي قُتل بـ"نيران صديقة" بعد دقائق من دخول غزة

أفيهو موري ينحدر من عائلة متدينة، وهو الأصغر بين 6 أطفال، وكان عزباً، يقطن في مزرعة في موشاف نير عكيفا مع والدته. انضم في عام 2012 إلى كتيبة شاكيد في لواء غفعاتي، سعياً وراء حلمه للخدمة في وحدات النخبة الإسرائيلية.

كان موري مفتوناً بقدراته، حريصاً على القتال المباشر في الميدان وخوض غمار المعارك.

في نهاية عام 2012، شنت إسرائيل هجومها المعروف بـ"عامود السحاب" على غزة لثمانية أيام، وتحمس أفيهو لدخول غزة مع رفاقه، إلا أنه في كل يوم كان يتم تأجيل ذلك، ما أصابه بالإحباط، بحسب رفيقه السابق في الوحدة زوهار أوغبي.

بعدها، أُطلقت صفارات الإنذار، ليهرع الجنود إلى الدخول في مدرعة، فسقطت قذيفة هاون بجوارهم بعد ثوان معدودة. هذا الموقف زاد من إحباط أفيهو الذي أصبح مجادلاً متمرداً على قادته، إذ سأل قائد وحدته "لقد كادوا يقتلوننا، ضربوا موقعنا، أين روح الجيش الإسرائيلي التي علمتنا إياها؟"، وبسبب تلك الحدية في شخصيته تم استبعاده من المشاركة في النشاط العملياتي، بحسب أوغبي.

ما زاد من إحباط أفيهو، دخول رفاقه إلى قطاع غزة دونه في حرب 2014، في حين تم نقله إلى منصب إداري، ثم جرى تسريحه بعد الحرب، ليعمل في مجال الأمن بإيلات لفترة، قبل العودة بعدها إلى الموشاف (قرى زراعية) ليعمل في البستنة.

أفيهو كان على قناعة أن قدره هو الدخول إلى غزة على رأس قوات الجيش، ولم يستطع تجاوز صدمة تسريحه، وشكا إلى رفاقه "شعوره بالضياع".

وتفاقم هذا الشعور بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، عندما جهّز الجيش الإسرائيلي 360 ألف شخص لخدمة الاحتياط، ولم يكن اسمه من ضمنهم.

وتقول شقيقته داغانيت ميمون موري: "لم يكن يستطيع النوم ليلاً. وكانت الرغبة في المساعدة تشتعل بداخله بطريقة أو بأخرى. ولم يتقبل حقيقة أنه لم يتم تجنيده للقتال".

في الساعة الثامنة والنصف صباحاً من يوم 23 أكتوبر، ارتدى أفيهو بنطالا جينز وقميصا وقبعة وسترة عسكرية واقية، ووجه قبلة لوالدته من بعيد، وخرج بخطى واثقة دون إخبار العائلة بأي تفاصيل، ثم اختفى أثره "كما لو أن الأرض ابتلعته"، بحسب شقيقته داغانيت.

كان ظن العائلة أنه ربما ذهب إلى منزل أحد أصدقائه لتهدئة أعصابه، أو إلى أماكن التجمع لمساعدة الجنود وإعداد الطعام، ولم يخطر في بال شقيقته أنه توجه إلى غزة، إذ تقول: "كنت مقتنعةً أنه حتى لو حاول، ليس هناك احتمال للسماح لمدني بدخول الأراضي العسكرية المغلقة خلال الحرب".

بعد 4 أيام من اختفائه وانقطاع هاتفه عن العمل وعدم معرفة أصدقائه بمكانه، بدأت العائلة البحث عنه وأبلغوا الشرطة بأنه مفقود.

عندما أُعلن اختفاء أفيهو، أرسل أحد معارفه رسالة إلى مجموعة للجيش الإسرائيلي أون لاين، ليرد عليه أحد رفقائه السابقين في الجيش أوغبي: "أفيهو ليس مفقودًا. إنه في غزة".

أوغبي كان متيقناً دون أي معلومات مؤكدة أن موري حتماً دخل إلى غزة للقتال والمشاركة في المعركة.

ففي عام 2021، عند اندلاع الحرب على غزة، حاول أفيهو الاقتراب من السياج الحدودي مع القطاع المحاصر، واعتقله جنود الجيش هناك وتم تقديمه للمحاكمة.

السلطات الإسرائيلية احتجزته لـ5 أشهر، ثم أطلقوا سراحه بكفالة 10 آلاف شيكل، ووُضع تحت الإقامة الجبرية في منزل والدته لبضعة أشهر أخرى وعلى ساقه سوار إلكتروني لدخوله إلى منطقة عسكرية محظورة في أثناء القتال.

شقيقته سألته عن سبب ذهابه إلى السياج في حينها، فأخبرها أنه لم يكن ينوي العبور لغزة، بل فقط مجرد الوقوف والصلاة هناك.

بحسب صحيفة هآرتس، بعد دخول أفيهو إلى غزة وتحقيق حلمه الذي دام أكثر من عقد من الزمان، غيّر الجندي السابق رأيه وقرر التراجع عن خطواته. ولكنه عندما اقترب من السياج الفاصل مرة أخرى، تم تعريفه على الفور بأنه "إرهابي" وقُتل بصاروخ من طائرة دون طيار.

الجيش الإسرائيلي أخذ أشلاء الجثة المبعثرة من المنطقة وكادوا يلقونها مع الجثث المكدسة للفلسطينيين التي يحتجزها في قاعدة سدي تيمان (حقل اليمن) العسكرية منذ بداية الحرب.

لكن الجنود لاحظواً علامات تدلل على أنه يهودي، فنقلوا جثته إلى قاعدة شورى مع جثث الإسرائيليين، وهناك أجروا فحص حمض نووي وتأكدوا من هويته.

عائلة أفيهو تقول، إن أحدا من مسؤولي الجيش الإسرائيلي لم يتصل بهم حتى اللحظة ليقدم شرحاً لما حدث، على الرغم من مرور أكثر من شهرين على الحادثة.

داغانيت شقيقة أفيهو تقول إن الجيش لم يخبرهم بمقتل شقيقها إلا بعدما خرجت في يوم 3 نوفمبر (أي بعد 11 يوما على مقتله) مع حارس الموشاف للبحث عنه في منطقة رعيم.

داغانيت أظهرت لهم صورة شقيقها فقالوا إنه لم يره أحد منهم. ولكن في مساء اليوم نفسه جاء ضابط شرطة واثنان من الاختصاصيين الاجتماعيين من البلدية إلى منزلهم، وأبلغوا الأسرة بمقتل نجلهم في غزة.

ووجهت العائلة عدة أسئلة للصحيفة: "لماذا قُتل رجل أعزل؟ أين تعليمات فتح النار؟ لماذا لم يتم تحييده؟ لقد أسقطوا صاروخ طائرة دون طيار عليه، وفتتوه لأشلاء، ولم يتركوا له أي فرصة".