معركة الأرقام.. ما العدد الحقيقي لقتلى حماس؟

إسرائيل تقول إنها وجهت ضربات قوية إلى مراكز القيادة والسيطرة في كتائب القسام بشمال غزة، بالإضافة إلى ضرب تسلسل القيادة ومخازن الأسلحة والقدرات الاستخباراتية، ما أفقد حماس القدرة على العمل في تلك المنطقة كجيش منظم.

وتدّعي إسرائيل أن أكثر كتيبتيْن في حماس تعرضتا لضربات قاصمة للظهر، هما "الشاطئ" و"الدرج-التفاح"، إذ تقول إنها قتلت نحو 200-260 مقاتلا في كل منهما.

ويزعم الجيش الإسرائيلي وصوله وتدميره لمنصات إطلاق صواريخ ومستودعات أسلحة وأنفاق استراتيجية ومخابئ وأماكن قيادة للحركة في الشمال.

وبصورة الانتصار تلك التي صُدّرت للجمهور الإسرائيلي، شرع الجيش بسحب معظم قواته وألويته من نصف القطاع الشمالي.

لكن بالتزامن مع تلك الانسحابات، أعلنت حماس إطلاق رشقة صاروخية تجاه إسرائيل من شمال القطاع يوم 13 يناير استهدفت بلدة نتيف هعسراه في غلاف غزة، ثم أطلقت رشقة أخرى باتجاه أسدود في 15 يناير، ورشقة ثالثة باتجاه نتيفوت في 16 يناير.

وقبل ذلك، وتحديدا في تمام منتصف ليل أطلقت القسام مجموعة من الصواريخ محلية الصنع تجاه إسرائيل. وحتى في ظل وجود الجيش بصورة مكثفة في شمال غزة، استهدفت حماس تل أبيب برشقة صاروخية من النصف الشمالي ذاته.

كل تلك الأعمال أدت إلى بث الشك في نفوس الإسرائيليين حول مزاعم الجيش بتحقيق انتصارات ميدانية كبيرة في الشمال وكسر ظهر حماس.

تصريحات رئيس أركان الجيش بأن حماس تعمل على إعادة تجميع قواتها في الشمال، تلاها تأكيد مصدر أمني إسرائيلي لصحيفة هآرتس أن الحركة بالفعل بدأت تنصيب قادة ميدانيين جدد للكتائب والفصائل في شمال غزة، للإنابة عمن قُتلوا في المعارك.

وأضاف المصدر، أن الكتائب التابعة للقسام في الشمال بدأت تعويض قواتها المفقودة وإعادة ترتيب صفوفها وسد الفجوات في سلاسل القيادة والتحكم، وقال بأن "حماس تضررت بشدة، لكن انسحاب القوات سيسمح لها بالتعافي من الضرر".

بعد أكثر من 100 يوم على الحرب، مصادر في غزة تنقل لبلينكس أن الاقتتال والاشتباكات ما زالت تندلع من وقت إلى آخر في مناطق زعم الجيش الإسرائيلي سيطرته الكاملة عليها كبيت حانون وبيت لاهيا.

إعلان الجيش الإسرائيلي انتهاء المعارك المكثفة في شمال غزة وسحب وإعادة تموضع معظم قواته فيها سمح لبعض المواطنين المهجرين داخلياً في النصف الشمالي بالعودة إلى أحيائهم السكنية في مناطق مختلفة، مثل تل الهوى في الجنوب الغربي لمدينة غزة أو جباليا وبيت لاهيا في الشمال.

إسرائيل ترفض حتى اللحظة عودة بقية سكان الشمال الذين أُجبروا على النزوح إلى النصف الجنوبي من القطاع باتجاه رفح وخان يونس، ويقول الجيش الإسرائيلي بأنه يجري تحضيرات للبقاء لعام كامل في منطقة وادي غزة الفاصلة بين شقي القطاع.

ولا يعني إنهاء أعمال القتال المكثفة أن القصف أو التوغل البري توقفا، بل تقصف إسرائيل يومياً أهدافا مختلفة بصورة مكثفة في نصف غزة الشمالي، وتجتاح قواتها عدة أحياء ومناطق كانت قد انسحبت منها في ذلك الشق من القطاع.

مثلاً قالت صحيفة هآرتس يوم الخميس، إن قوات الجيش الإسرائيلي أعادت التوغل في منطقة معسكر الشاطئ غربي مدينة غزة في الأيام الماضية.

وقصفت إسرائيل الجامعة الإسلامية في قلب غزة يوم الخميس، كما قصفت شقة سكنية في محيط مستشفى الشفاء صباح الجمعة.

أحد مكامن قوة عناصر القسام في النصف الشمالي من غزة بعد اجتياح معظمه برياً كان سلاح الأنفاق التي يستعملها مقاتلو الحركة للتنقل بخفاء وحرية أكبر تحت الأرض.

إسرائيل تقر أن عدد ومساحة الأنفاق تحت الأرض كان أضعاف ما توقعته واعتقدت معرفته بأجهزتها الاستخباراتية، وما زالت تمثّل تلك الأنفاق مفاجأة لقوات الجيش الإسرائيلي يومياً.

على سبيل المثال، بعد أكثر من 100 يوم من الحرب، اكتشفت إسرائيل يوم الثلاثاء نفقاً استراتيجياً كان يربط بين نصفي القطاع الشمالي والجنوبي، ما يعني أن قوات الحركة كان بإمكانها التنقل بين الجانبين طيلة ذلك الوقت.

المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون يرون أن استعادة حماس عافيتها في شمال غزة أمر حتمي في ظل غياب أي استراتيجية سياسية واضحة لما سيبدو عليه اليوم التالي لانتهاء الحرب.

هذا ما حذّر منه رئيس الأركان هليفي، إذ قال إن غياب استراتيجية اليوم التالي سيدفع باتجاه تآكل الإنجازات الميدانية، وقال أيضاً وزير الدفاع يوآف غالانت، إن "التردد السياسي سيؤدي إلى الإضرار بالقتال".

حتى اللحظة يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقديم أي تصور واضح ونهائي عن "اليوم التالي"، مثل من سيؤول له حكم القطاع، السلطة الفلسطينية أم إسرائيل، أم حماس أم هيئة دولية؟ وهل ستبقى القوات الإسرائيلية على الأرض في غزة أم ستنسحب؟ هل ستقام مستوطنات في القطاع أم لا؟ وغيرها من الأسئلة المفصلية.

إجابات تلك الأسئلة ستؤثر في طبيعة الأنشطة الميدانية للجيش في غزة، لكن نتنياهو يحاول تجنب تلك الأسئلة، لأنها قد تؤدي إلى انهيار حكومته أو إضعاف الدعم الغربي لحربه في القطاع المحاصر إذا ما أبدى نيات سلبية تجاه مستقبل غزة كإعادة الاستيطان.

لذلك تنقل صحيفة هآرتس عن وزير في حكومة نتنياهو والكابينت الأمني قوله إن الحرب "لا مستقبل لها"، وإن ما يفعله نتنياهو ببساطة هو شراء الوقت، للتهرب من سؤال مسؤوليته عن 7 أكتوبر وما تلاها.

ويقول شقيق الأسير المحتجز في غزة إيتسيك إلجيرت، إن "اللعبة انتهت في غزة، وخسرنا هناك. نحن متوهمون"، متهما نتنياهو باستعمال الرهائن كدروع بشرية للبقاء في منصبه.