هل توقف أميركا "الشيك على بياض" لإسرائيل؟

في كل عام، تنفق الولايات المتحدة نحو 40 مليار دولار على المساعدات الاقتصادية والإنسانية والعسكرية لجميع دول العالم المستفيدة.

ولكن تحصل إسرائيل وحدها على ما يقارب 10% من تلك الأموال، أو ما يزيد عن 3,8 مليار دولار سنوياً بالإضافة لمساعدات طوارئ أخرى.

المستفيد الأكبر من المساعدات الأميركية العسكرية لإسرائيل هي شركات السلاح الأميركية، حيث أن الشرط الوحيد لتلك المليارات هو أن تقوم إسرائيل باستعمال معظمها.

وإلى جانب المردود المادي، تستفيد تلك الشركات من خلال قيام إسرائيل بتجربة أسلحتها في مناطق قتالية، مثل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لا تحتاج الولايات المتحدة لفرض أي قوانين جديدة لجعل مساعداتها لإسرائيل مشروطة أو حتى قطعها. بل كل ما يلزم هو تطبيق القوانين الموجودة بالفعل التي تحصل إسرائيل دائماً عى استثناء منها.

مثلاً، قانون سيمينغتون لعام 1976 يحظر على الحكومة الأميركية منح المساعدات الاقتصادية أو العسكرية أو الضمانات الائتمانية لأي دولة تمتلك تكنولوجيا التخصيب النووي ولا تمتثل للوائح الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعمليات التفتيش.

امتلاك إسرائيل لترسانة نووية من مئات الصواريخ أمر معروف عالمياً منذ عقود، لكن الحكومة الإسرائيلية لا تقر به رسمياً، على الرغم من تهديد وزرائها مؤخراً بضرب غزة بتلك الأسلحة النووية، وبالتالي لا تخضع إسرائيل لعمليات التفتيش أو لوائح الوكالة الدولية.

هذا يعني أي المساعدات الأميركية لتل أبيب مخالفة للقانون الأميركي، إلا أن واشنطن لطالما التفت على ذلك قوانينها عبر رفض الإقرار رسمياً بأن إسرائيل دولة نووية.

هناك أيضاً قانون ليهي الذي يمنع منح أموال المساعدات لوحدات قوات أمن أجنبية متورطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل التعذيب وقتل المدنيين والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والاغتصاب.

لكن ذلك القانون لا يتم تطبيقه على إسرائيل. لذلك، كانت فكرة مشروع قرار برني ساندرز في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع بأن يتم إجراء تحقيق في انتهاكات حقوقية ترتكبها القوات الإسرائيلية بالأسلحة الأميركية من أجل أن يكون ذلك التحقيق أرضية لتطبيق قانون ليهي.

منذ عام 2017، النائبة الديمقراطية اليسارية بيتي ماكولوم تقوم بانتظام بطرح مشاريع تشريعات تشترط على إسرائيل عدم استخدام المساعدات الأميركية في احتجاز وإساءة معاملة الأطفال الفلسطينيين القصر.

على الرغم من بساطة هذا القانون، إلا أنها لم تنجح في تمريره حتى اللحظة، فغالبية أعضاء الكونغرس يؤيدون عدم فرض أي قيود أو مطالب على إسرائيل مقابل المليارات التي تحصل عليها سنوياً، وهو التوجه الذي تدفع به لوبيات ضاغطة مثل AIPAC وغيرها.

أي شخص يدعم جعل المعونة مشروطة يتم اتهامه من قبل تلك اللوبيات بتعريض أمن الإسرائيليين للخطر وإفقادهم التفوق العسكري النوعي وجعلهم عرضة للهجمات وقد يصل الأمر للاتهام بمعاداة السامية، وهو ما جعل الحديث في هذا الأمر محظوراً في واشنطن.

هذا العام، ارتفع عدد رعاة مشروع قانون بيتي ماكولوم ليصبح 28 نائباً ديمقراطياً في مجلس النواب من أصل 435، وهي نسبة ما تزال ضئيلة لكنها تشير إلى الارتفاع التدريجي في ذلك التوجه.

بالمثل، مشروع قانون برني ساندرز للتحقيق في انتهاكات إسرائيلية حقوقية في غزة حصل على 11 صوتا مؤيدا في مجلس الشيوخ من أصل 100 عضو. ويقول ساندرز إنه كان يتوقع تلك النتيجة وأن تلك مجرد البداية لفتح نقاش حول الموضوع.

وكان السيناتور الديمقراطي ومرشح الرئاسة السابق قد كتب في صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً للمناداة بإنهاء سياسة "الشيك على بياض" لإسرائيل وأنه يجب فرض شروط على الصداقة الأميركية الإسرائيلية لضمان عدم تورط واشنطن في مخالفات للقانون الدولي.

نشر دعوى بهذا الشكل في أكبر الصحف الأميركية من قبل ساندرز اعتبرها البعض مؤشراً على التغيير الإيجابي الذي يحدث مؤخراً في تنامي قبول فكرة جعل المعونة مشروطة، فلم يعد الأمر محظوراً كما في السابق بحسب صحيفة هآرتس.

عضو مجلس الشيوخ الأميركي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية كريس كونز يعتبر حليف بايدن الأقرب في الكونغرس، وأحد أشرس المدافعين عن إسرائيل.

لكن على الرغم من معارضته مشروع قانون برني ساندرز للتحقيق في انتهاكات إسرائيل الحقوقية، إلا أن كونز أبدى انفتاحاً يوم الاثنين بشكل مفاجئ في دافوس تجاه وضع شروط وقيود على المساعدات العسكرية الأميركية لتل أبيب.

صحيفة بوليتيكو قالت إن كونز ما يزال حليفاً قوياً لإسرائيل إلا أن صبره نفذ من نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.

السيناتور الديمقراطي ليس الوحيد الذي غير رأيه مؤخراً بسبب نتنياهو. ففي شهر مارس الماضي، انضم السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي للتهديد بضرورة فرض شروط على المساعدات بسبب حكومة نتنياهو اليمينية.

وكذلك، قام النائب الديمقراطي جيري نادلار بكاتبة مقال في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في شهر يناير الماضي للتحذير من العواقب الوخيمة على العلاقات الأميركية الإسرائيلية بسبب تعديلات نتنياهو القضائية المثيرة للجدل.

كما كتب رئيس تحرير صحيفة فورين بوليسي البارزة أن المساعدات لإسرائيل يجب ألا تكون "شيك على بياض".

وانضم أيضاً شخصيات بارزة من الحزب الجمهوري طالبوا بفرض شروط على المعونات لإسرائيل بهدف منع التقارب بين إسرائيل والصين.

الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب فكر أيضاً بوضع شروط على المساعدات لإجبارها على القبول بصفقته للسلام.

الحديث في واشنطن لا يدور فقط حول فرض شروط مقابل حصول إسرائيل على المليارات الأميركية، بل يصل في بعض الدوائر للمطالبة بقطع تلك المعونة بشكل كامل.

وهناك فريقان يطالبان بهذا الأمر. الأول يمثله السفيران الأميركيان السابقان لتل أبيب دانيل كورتزر ومارتن إنديك والوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين الذين يجادلون بأنه لا يوجد مصوغ لاستمرار تلك المساعدات لإسرائيل التي تعتبر دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً.

وينضم إليهما الكاتب الأميركي البارز في صحيفة نيويورك تايمز نيكولاس كريستوف الذي يجادل بأن تلك المعونات عبئ اقتصادي كبير وإهدار للموارد المحدودة بدون داعي وأنه "يخلق علاقة غير صحية ومدمرة للطرفين".

ويرى كريستوف بأنه من الأفضل توجيه تلك المعونة لدول في حاجة أكبر للمساعدة أو استخدام ذلك المال في الانفاق الداخلي على تطوير التعليم والصحة ورعاية الأطفال في أميركا.

وهناك فريق آخر يرى أن تلك المعونات يجب قطعها لإنها تجعل إسرائيل تابعة للولايات المتحدة، وأن الاستغناء عنها سيمنح الحكومة الإسرائيلية حرية أكبر في التصرف كما يحلو لها.

على سبيل المثال، نشرت مجلة تابلت الأميركية اليمينية مقالاً قالت فيه إن المساعدات تسمح للولايات المتحدة "بحق النقض على كل شيء من مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية".

ونشرت المجلة نفسها مقالاً آخر للكاتبة الإسرائيلية المتطرفة كارولين جليك قالت فيه إن حزمة المساعدات الأميركية تضر إسرائيل كونه يمكن استغلالها للضغط والتأثير على قرارات الحكومة.

وادعى موشيه فيجلين، النائب السابق المتشدد من حزب الليكود أن المساعدات الأميركية تسمح لواشنطن أن تملي الخيارات على إسرائيل.

قبل الحرب الإسرائيلية على غزة، كان بإمكان الاقتصاد الإسرائيلي الاستغناء عن المساعدات الأميركية، وهو ما أشار إليه دعاة قطع تلك المساعدات أمثال السفيرين الأميركيين السابقين دانيل كورتزر ومارتن إنديك.

لكن الآن، كلفت الحرب الإسرائيليين ما يزيد عن 217 مليار شيكل بحلول شهر يناير، وهي تكلفة ستستمر في الارتفاع بشكل كبير مع كل يوم تستمر فيه الحرب. ودخلت إسرائيل العام الجديد بعجز في الموازنة وصل نحو 67 مليار شيكل.

هذا الأمر دفع صحيفة هآرتس للقول يوم الخميس إن إسرائيل تحتاج المساعدات الأميركية بشكل كبير اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبشكل خاص مبلغ 14,5 مليار دولار التي وعد بها بايدن الإسرائيليين في بداية الحرب لكن الحزب الجمهوري عرقل الأمر للضغط على البيت الأبيض لتشديد سياسة الهجرة.

لذلك، فرض شروط على المعونة الأميركية في هذه اللحظة بالتحديد قد يكون سلاح ذو قوة كبيرة للتأثير على سلوك إسرائيل.

لكن مع ذلك، يرى خبراء بأن قطع المساعدات عن تل أبيب أو جعلها مشروطة أمر غير كاف في حد ذاته لدفعها نحو إنهاء الاحتلال.

بل يجب أن يرافق ذلك إنهاء للغطاء الدبلوماسي الذي توفره واشنطن لإسرائيل في الأمم المتحدة عبر استخدام الفيتو ضد أي قرار لمحاسبة الإسرائيليين في مجلس الأمن.