4 ملفات فساد تهدر مليارات الدولارات على العراق

من بين أكثر القضايا التي يدور الحديث عن تسببها بضياع مليارات الدولارات، مسألة استمرار بيع أكثر من 200 مليون دولار يومياً في نافذة المزاد، لتمويل شراء مواد مستوردة إلى البلاد.

وبالرغم من أن محمد شيّاع السوداني نفسه، ومع بداية توليه رئاسة الحكومة العراقية، تحدّث عن أن المبالغ المباعة مبالغ فيها، وأن الكثير منها تذهب لتهريب العملة وغسيل الأموال، إلا أن المزاد لم يزل يبيع ملايين الدولارات لمصارف أهلية، معظمها تتبع لأحزاب وميليشيات تهرّب العملة إلى إيران ودول الجوار والمنطقة.

الخبير الاستراتيجي مخلد حازم يرى أن ملف البنك المركزي والدولار، هو ملف شائك ومعقد، موضحاً أن الحكومات العراقية السابقة والحالية، هي على علم بوجود سرقة وعمليات تهريب تحدث في وضح النهار في هذا الملف.

وقال الخبير إن عملة الدولار يتم تهريبها جهاراً ونهاراً إلى دول الجوار، والحكومة غير قادرة على اتخاذ أي فعل، معللاً بأن من يقوم بتهريب العملة هو نفسه من يؤسس ويشكّل الحكومة مما يجعلها عاجزة عن أي رد فعل.

حازم أضاف أن عمليات التهريب تتم عبر الحوالات السوداء "يقصد فواتير شراء بضائع وهميّة" أو عبر المطارات، إضافة إلى عمليات التهريب التي تتم عبر المنافذ غير الرسمية والتي لا تسيطر عليها قوات حرس الحدود، وهي تحت سيطرة أولئك المهربين حيث يتم تهريب العملة من خلالها بشكل دائم وسلس، دون قدرة الحكومة على التدخّل.

العام الماضي، تمّ الكشف عن أكبر عملية سرقة تشهدها البلاد من قبل رجال أعمال مدعومين من أحزاب وميليشيات بالتعاون من مستشارين حكوميين وكبار الموظفين والمدراء في الحكومة.

في هذه العملية كُشف عن سرقة أكثر من 2.5 مليار دولار أودعت في مصارف حكومية منذ سنوات كتأمينات للمشاريع المنفّذة من قبل الشركات، ليتم سحبها بشكل متسلسل من قبل 5 شركات أهلية بالتعاون مع الجهات الحكومية.

ورغم كشف القضية وتوعّد الحكومة بإرجاع الأموال، لكن المطلوب الأول في القضية نور زهير، صاحب الشركات التي سحبت الأموال من الحسابات والذي أُلقي القبض عليه أثناء محاولته السفر، خرج بكفالة.

كذلك مستشار رئيس الوزراء السابق هيثم الجبوري، أُطلق سراحه بكفالة ولم يتم إرجاع إلا 10% فقط من الأموال المسروقة رغم كل وعود الحكومة باسترجاعها.

ما بين العام 2008 والعام 2010، أطلقت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي مشاريع الأبنية المدرسية من أجل بناء أكثر من 1700 مدرسة في عموم العراق بسبب النقص الحاد فيها، ووجود أكثر من 100 مدرسة طينية حينها.

تلك المشاريع رست في المرحلة الأولى على شركات إيرانية، وبعدها في المراحل الثانية رست على شركات محلية من القطاع العام والخاص. وفي جميع المراحل تم مخالفة القوانين ومنح العقود للشركات بأسلوب الدعوة المباشرة دون إقامة مناقصة.

كذلك كان يتم منح دفعة أولية بنسبة 60 % من قيمة المشاريع، لتتجاوز قيمة المبالغ المدفوعة المليار دولار، وهو ما جعل أغلب تلك الشركات، ومنها الإيرانية، تغادر البلاد بعد استلام الأموال، وعدم إنجاز المشاريع، لتضيع فرص بناء المدارس وتضطر الحكومة الحالية والتي سبقتها، للجوء إلى الصين من أجل منحها النفط مقابل بناء 1000 مدرسة في عموم العراق لسد النقص الحاصل.

يقول الخبير التربوي، بسام السعيد إن "العراق يعاني من قضية نقص الأبنية المدرسية في مختلف المحافظات، بسبب الفساد والإهمال الحكومي، لا سيما في وزارة التربية هناك أموال طائلة صرفت منذ 2003 حتى هذه اللحظة على مشاريع أغلبها لم تنجز وبعضها كانت مشاريع وهمية لا أكثر".

يضيف أن "هناك تزايداً كبيراً في عدد الوافدين إلى المدارس من التلاميذ"، موضحاً أن "العراق بحاجة إلى 8000 مدرسة وربما أكثر، وهناك ما يقرب من 2000 أو 3000 مدرسة آيلة للسقوط وتشكل خطراً كبيراً".

يتابع السعيد قائلاً إن "الأموال التي صرفت من الموازنة لبناء المدارس، أما أن تكون قليلة أو مبالغ ضخمة تتضمن سرقات وفساد، وحتى اليوم يشهد العراق وجود مدارس طينية ومدارس الكرفانات، إذ لم تتحرك الجهات المعنية تجاهها تحركا فعلياً".

من بين أهم الملفات التي لم تفتح، هو ملف آلاف المشاريع المتلكئة التي أطلقت في ولايتي رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، والتي وصلت بحسب مختصين وسياسيين إلى قرابة 7 آلاف مشروع في مختلف المجالات الخدماتية والصحية والاستثمارية، وصُرفت فيها مليارات الدولارات، لكنها انتهت إلى أطلال لم ينجز منها شيء رغم صرف كل تلك الأموال عليها دون أن تحاسب الجهات المتورّطة.

وكان رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، قد أعلن في أيار 2021، عن تقديمه مشروع قانون لـ"استرداد عائدات الفساد" ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة، مشيراً إلى أن القانون يتضمن إجراءات عملية استباقية رادعة، وخطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد.

وكشف صالح، عن خسارة العراق ألف مليار دولار منذ سقوط نظام صدام حسين بسبب استشراء الفساد المالي والإداري في دوائر الدولة ومؤسساتها.

ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، إذ احتل المرتبة 157 عالمياً، والسابع عربياً ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2022.

فيما كانت مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، قد أعلنت في أكتوبر 2022 أن الطبقة السياسية والحاكمة فشلت في وضع المصلحة الوطنية فوق أي شيء آخر. وجاءت تصريحات المسؤولة الأممية أمام مجلس الأمن الدولي في اجتماعه الدوري لمناقشة الوضع في العراق.

وشددت بلاسخارت على أن "الفساد سمة أساسية في الاقتصاد السياسي في العراق، وهو جزء من المعاملات اليومية، ولست أنا من يقول هذا فقط، إن ذلك أمر معترف به".

كما تحدثت عن قطاع حكومي غير فاعل متضخم يخدم الساسة لا الناس، وقالت "إن المصالح الحزبية والخاصة تُبعد الموارد عن استثمارات مهمة في التنمية الوطنية".