بعد عام من الكارثة.. هل تركيا مستعدة لزلزال جديد؟

قبل عام واحد فقط، كانت محافظة هاتاي التركية تزدحم بنحو 1.7 مليون نسمة، إلا أن ملامح المحافظة قد اختلفت الآن، فقد انخفض عدد سكانها إلى نحو 250 ألف نسمة فقط، يحيون بين الغبار والفوضى.

ويقول مولود أيدين، الذي فقد نحو 10 أشخاص من أقربائه بسبب الزلزال: "هاتاي كما كنا نعرفها لم تعد موجودة".

وتفيد السلطات بأن 850 ألف منزل ومكتب ومبنى قد دُمرت أو تضررت بسبب زلزال العام الماضي، بالإضافة إلى الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس.

الناجون من الزلزال أيضا لا يشعرون أن وطأة الأزمة قد مرت، ففي كهرمان مرعش على بُعد 50 كيلومترا من مركز الزلزال، يعمل قادر ينيجلي، وهو متقاعد سبعيني، على بيع المثلجات، ليستكمل معاش التقاعد الضئيل الذي يتقاضاه.

ويقول: "لا مال ولا وظائف، نحن بعيدون عن العودة إلى الوضع الطبيعي، والناس لا يعرفون ماذا يفعلون. يجب على الدولة مساعدتنا".

إبان الزلزال، واجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتهامات بالتأخر في حشد وسائل الإغاثة سريعا، لكنه حاول إعادة تحويل مساره، فوعد ببناء 650 ألف وحدة سكنية جديدة خلال العام.

ولكن بعد مرور 11 شهرا، بدأ بناء 307 آلاف وحدة سكنية فقط، منها 46 ألفا جاهزة للتسليم، بحسب وزارة البيئة والتخطيط المدني.

وتفيد مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية (تيباف)، بأن محافظة هاتاي فقدت خلال الزلزال عددا من الأبنية، يوازي عدد المباني الذي يُشيّد في غضون عقد من الزمن.

في تقرير حول العواقب الاقتصادية للكارثة، توقعت المؤسسة أن تترك كلفة إعادة الإعمار وإعادة التأهيل التي تُقدر بنحو 150 مليار دولار على مدى خمس سنوات "أثرا سلبيا كبيرا على المدى الطويل على الاقتصاد التركي والنمو والوظائف".

يُضاف إلى ذلك أن المحافظات المتضررة تقبع في أسفل المقياس الوطني للدخل والتنمية.

في العام الماضي، وعلى الرغم من المخاطر العالية لوقوع زلزال، دفع السكان في جنوب تركيا ثمن رداءة نوعية البناء وجشع المطورين العقاريين، إذ انهارت مبانٍ تم تشييدها في أي مكان أو بكلفة متدنية، مثل مدينة أبرار في كهرمان مرعش أو مبنى فخم في أنطاكية انهار على مئات من سكانه.

لكن حتى الآن، جنّبت الملاحقات القضائية القليلة وحفنة من المحاكمات المفتوحة، المسؤولين الذين أصدروا تصاريح البناء.

اليوم، يعتقد بعض الخبراء أن تركيا ليست أفضل استعدادا لمواجهة زلزال جديد.

يقول البروفسور مقدات كاديوغلو، المتخصص في إدارة المخاطر في قسم الهندسة بجامعة إسطنبول التقنية: "علينا أن نذهب إلى ما هو أبعد من بعض تدابير المعالجة المؤقتة، والقيام بإصلاح جذري لإدارة الكوارث".

ولا يُخفي الخبير مرارته حين يضيف: "حتى لو تم تشييد مبان جديدة بموجب قواعد مقاومة الزلازل، دون إجراء دراسات للتربة أو الأراضي غير المناسبة، مثل مجاري الأنهار، فإنها ستستمر في الانهيار".

أما ديلفوروز شاهين، رئيسة غرفة التخطيط المدني في دياربكر التي يتبعها كل جنوب شرق البلاد، فتندد بكثافة البناء غير القانوني، وغياب الضوابط، وكذلك عدد حالات العفو التي منحت في السابق لمطورين قاموا بأعمال احتيال.

لكنها تعتقد أن الجميع قد تعلم الدرس، موضحة: "الآن نجري دراسات جيولوجية ويتم تحديد مناطق الخطر، ويتم تحديث الخرائط الزلزالية وعمليات التفتيش أكثر صرامة، وعدد المفتشين أكثر".