"حجر في بركة راكدة".. لماذا تغازل واشنطن تركيا بـ"إف-35"؟

لم يكن إطلاق العبارة مجدداً، التي تحدد الموقف الأميركي بـ"إما إس-400، وإما إف-35 دون مقدمات.

وإنما سبقتها سلسلة تطورات أحدثت في مجملها دفئاً نسبياً في العلاقة ما بين أنقرة وواشنطن، وأبرزها:

• تصديق الرئيس رجب طيب أردوغان على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في تحوّل أعقب فترة مساومة لأكثر من عامين.

• إخطار الرئيس الأميركي جو بايدن الكونغرس، وحثّه على الموافقة على بيع طائرات إف-16 لتركيا.

• اتجاه دول غربية إلى فك حظر الأسلحة عن تركيا كجزء من صفقة "السويد-الناتو"، وعلى رأسها كندا.

ويستبق الموقف الجديد الصادر من واشنطن زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة التركية أنقرة، في خطوة تُعتبر الأولى من نوعها إلى دولة عضو في الناتو، منذ الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022.

ويتزامن أيضا مع التداعيات على مستوى الإقليم والعالم التي تفرضها الحرب في غزة.

لم يصدر أي رد رسمي حتى الآن من جانب تركيا بشأن رسائل واشنطن، لكن وسائل إعلام مقربة من الحكومة نقلت توضيحاً عن مصدر في وزارة الدفاع التركية.

المصدر قال لصحيفة حرييت: "لقد تم الحديث عن هذه القضية ومناقشتها كثيراً. ولا يوجد أي تغيير في موقف البلدين في الوقت الحالي".

وأضاف: "في هذه المرحلة ينبغي اعتبار التصريحات التي أدلت بها الولايات المتحدة بمثابة إعلان حسن النية. وفي حال طرأ أي تغيير أو تطور بهذا الخصوص سنخبركم به".

الكاتب في الصحيفة ذاتها، سادات إرغين قال: "مما لا شك فيه أنه ينبغي للمرء دائماً أن يكون مستعداً للمفاجآت في تركيا".

وبعد أن أشار إلى قضية إف-35، استبعد أن تتراجع بلاده عن مسألة إس-400، خاصة أنها "تتجه إلى خيار مقاتلات KAAN المحلية بكل قوتها".

تقول واشنطن إن إس-400 لا تتوافق مع أنظمة الدفاع لدى حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا، وكذلك الولايات المتحدة.

وحظرت واشنطن، في ديسمبر 2020، منح أي تصاريح لتصدير الأسلحة للوكالة الحكومية التركية المكلفة بشراء تجهيزات عسكرية، لمعاقبة أنقرة على شراء المنظومة الروسية.

قبل قانون العقوبات المعروف باسم "كاتسا" علقت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في برنامج تصنيع الطائرة الحربية الأميركية الأحدث من نوع إف-35.

واعتبرت أن صواريخ "إس-400" يمكن أن تكشف أسرارها التكنولوجية.

يشير إلى ذلك المسؤول السابق في البنتاغون، ديفيد دي روش، ويوضح لبلينكس، أن استبعاد تركيا من برنامج إف-35 لم يكن قضية سياسية بقدر ما يرتبط "بمخاوف فنية حساسة للغاية".

ويقول: "إذا حلقت إف-35 بانتظام حول أجهزة الاستشعار الروسية فإن الروس وفنييهم والأتراك سيحصلون على الكثير من البيانات حولها".

وسيؤدي ذلك إلى "اختراق قدرتها على التخفي، وهي ميزة بقائها الرئيسية".

دي روش يرى أن عودة المقاتلة المشتركة إلى الطاولة تعني أحد أمرين:

• الأول: هو أن الأتراك قرروا عدم شراء دفعة جديدة من المنظومة الروسية في هذه المرحلة، ولا سيما أنها أثبتت إخفاقها ضد قوات من الدرجة الثانية في أوكرانيا.

• الثاني: هو أن الأتراك قرروا المضي قدماً في شرائها ومن ثم نقلها إلى الولايات المتحدة مقابل إعادة قبولها في برنامج إف-35، وربما توفير بعض صواريخ باتريوت الإضافية.

ويضيف المسؤول السابق في البنتاغون: "في كلتا الحالتين، سيكون ذلك بمثابة انتصار ثلاثي لتركيا، والولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي".

كان عقد توريد أول فوج من صواريخ إس-400 تتويجاً للتقارب الروسي التركي، بعد التصعيد الذي حصل في عام 2015.

لكن وبعد التوريد لم تصدر أي مؤشرات أو معطيات تقود إلى نية أنقرة وتصميمها على تشغيل المنظومة أو حتى استكمال الصفقة وبقية الدفعات.

يعتقد الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، أن عملية المساومة بين تركيا وأميركا بشأن عضوية السويد وصفقة إف-16 أدت إلى خلق وضع جديد في العلاقات.

يشرح الباحث لبلينكس، أن "الوضع الجديد خلق بيئة مساعدة لإثارة نقاش لمعالجة المشكلات الأخرى التي تواجه البلدين، من بينها إخراج تركيا من مشروع إنتاج إف-35".

ومن بينها أن "الوضع الجديد في العلاقات يحتاج إلى مزيد من الوقت كي ينضج، ومن ثم يمكن الانطلاق منه لمعالجة المشكلات".

ويضيف الباحث: "إذا توفرت الرغبة لتجاوز أزمة إف-35 وعودة تركيا للمشروع، يمكن أن تكون هناك أرضية مشتركة تراعي الهواجس الأميركية وتحفظ ماء الوجه لتركيا في علاقتها مع روسيا".

تشير المعطيات السائدة إلى أن العلاقة الحالية بين واشنطن وأنقرة تسير على طريق بعيد عن التوتر، عكس الوضع السابق. لكن لا يعرف ما إذا كانت ستنعطف لاحقاً إلى السلب أو الإيجاب.

ويعتقد الباحث علوش أن "تركيا تريد أن تحافظ على وضع يساعدها في الاستفادة من مزايا علاقتها مع روسيا ومزايا العلاقة مع الغرب وأميركا من جانب آخر".

"النهج المتوازن بين روسيا والغرب في بعض القضايا الجيوسياسية الحساسة مصمم لخدمة الأهداف التركية"، وفق الباحث في الشأن التركي.

ويضيف أن "هذه السياسة والنهج المتوازن يشكّل حاجة لتركيا، وهي ليست بوارد التخلي عن علاقتها مع روسيا لحساب تعزيز علاقتها مع الغرب".

وبموازاة ذلك "ليست بوارد المغامرة والمخاطرة في المزيد من التدهور في العلاقة مع الغرب لحساب علاقتها مع روسيا".

يوضح علوش أن "مصالح تركيا المتداخلة بين الطرفين تفرض عليها أن تكون دقيقة لتصيغ علاقتها بين الجانبين".

وفيما يتعلق بواشنطن يعتقد أن "أميركا كونها هي من أثارت احتمال عودة تركيا لمشروع إف-35 تحاول جس نبض أنقرة وتشجيعها على اتخاذ المزيد من المبادرات، بعد التمرير المنتظر لصفقة مقاتلات إف 16".