سياسة
.
"بـ3500 دولار فقط يمكنك السفر من لبنان إلى قبرص عبر البحر، لكنّ مصيرك قد يكون مجهولاً فتخسر أموالك وقد تخسر حياتك". بهذه الكلمات بدأ المُهاجر محفوظ. ر. حديثه لبلينكس عن معاناةِ الإنتقال من بلد إلى آخر بواسطة "مركبٍ" خشبي صغير عبر البحر الأبيض المتوسط، سعياً للبحث عن حياة جديدة.
في كلامه، يكشف محفوظ أن ظروف الحياة الصعبة هي التي دفعته لمغادرة لبنان باتجاه قبرص التركية، آملاً منه في إيجاد سُبل جديدة للعمل والعيش.
فماذا تكشف المعلومات عن خفايا هذه المغامرة السوداء؟ ومن هم المتورطون بها؟
أدهم، 34 عاماً، هو أحد الأشخاص الذي ينتظر خبراً عن مصير أخيه الذي غادر على متن مركب فقد الاتصال به منذ جوالي الشهرين في البحر بين لبنان وقبرص.
في حديثٍ عبر بلينكس يقول أدهم: "لا معلومات عن الركاب".
ويوضح أن إن شقيقه باع منزله من أجل الهجرة، ويضيف "قبل أن يختار السفر عبر البحر، اشترى منزلاً صغيراً بجزء من مبلغ منزله الأول، ثم وفر الجزء الباقي للهجرة. لقد كان مُصرّاً على هذه الخطوة لأنه يريد حياة جديدة خارج لبنان، فاختار طريق البحر إلى قبرص، وأنا الآن أنتظر نبأ واحداً بشأنه لأننا نعيش في دوامة كبيرة".
من جهته، يقول مرزوق، سوري الجنسية، لبلينكس، إن مسألة هجرة الموت تفاقمت كثيراً والمطلوب اتخاذ حلول سريعة توقف هذا الواقع المأساوي، ويقول "عمي في عداد ركاب زورق اختفى منذ حوالي الشهرين، وما زلنا نبحث عن أمل وطوق نجاة".
ويضيف "المسألة صعبة جداً والمشكلة هي أن هناك الكثير من المهربين المتواجدين بين سوريا ولبنان. ما نريده الآن هو جلاء أي معلومة عن أهالينا".
خلال الأسابيع الماضية، تمكن خفر السواحل القبرصي من إنقاذ مركب كان في عرض البحر بين لبنان وقبرص.
أحد الشبان كان على متن القارب، طلب عدم الكشف عن اسمه، روى لبلينكس في اتصال معه تفاصيل الرحلة، وقال "كانت صعبة جداً وخطيرة. كان على متن المركب 60 شخصاً غالبيتهم من السوريين. سائق القارب أبلغنا أن المركبة جيدة لكن محركها قد يتعرض لأعطال. مجرد انطلاقنا من لبنان، اتجه بنا القارب باتجاه منطقة طرطوس السورية، ثم عاد باتجاه لبنان. على أحد الشواطئ، تم إصلاح المركب قبل انطلاقه مجدداً في البحر تعطل مجددا".
أضاف "بالصدفة، كانت باخرة تمر بجوارنا، فطلبت خفر السواحل القبرصي الذي عمل على إنقاذنا جميعاً، ونحن الآن متواجدون في مخيم بورنارا للاجئين".
أكمل "في غضون أسبوعين تقريباً، يمكننا مغادرة البلاد، فلسنا في عداد الموقوفين أبداً، في حين أن سائق القارب مسجون حالياً وقد تُوجه إليه تهمة تهريب البشر".
بلينكس تتبعت مصدر عددٍ من سماسرة تهريب البشر الذين يبادرون إلى تنظيم رحلات الهجرة عبر البحر، وتبين أن هناك شبكة كبرى قائمة بين لبنان وسوريا ومهمتها تأمين السفر بين لبنان وقبرص.
معلومات بلينكس تقول إن هناك 3 شخصيات رئيسية ناشطة في مجال تهريب البشر عبر البحر وهم: ع. ك. (لبناني الجنسية) وع.ص. (لبناني الجنسية) و ز. (سوري الجنسية).
إلى جانب هؤلاء، هناك شخص معروف بـ"أبو فهد" وهو يدير كافة عمليات التهريب من لبنان، في حين أن هناك شخص آخر يدعى "أبو سيفو" ويعتبر مسؤولاً عن تنظيم رحلات الهجرة عبر البحر ومركزه في منطقة وادي خالد اللبنانية.
بلينكس حاولت الاتصال بأحد السماسرة المعنيين بعمليات التهريب، وقال إن عملية الهجرة عبر البحر متاحة للسوريين بشكل أكبر، ويمكن أن تصل التكلفة إلى 3100 دولاراً.
ما بينته المعلومات هو أن عملية التهريب تنقسم إلى 4 مراحل:
- الأولى: التواصل مع سمسار
- الثانية: السمسار يتواصل مع المهرب لتحديد السعر المطلوب للهجرة
- الثالثة: اتفاق السمسار بالتشاور مع المهرب على مكتب يعرف بمكتب "التشييك" ووظيفته تلقي الأموال من المهاجر
- الرابعة: عندما ينطلق المهاجر في رحلته، يتصل بالمكتب ويبلغه بـ"فك التشييك"، أي فك رهن الأموال لديه وتسليمها إلى المهرب.
المفارقة هي أنّ بعضاً من أهالي ضحايا زورق الهجرة اتهموا ميليشيا حزب الله بحماية عدد من المهربين، خصوصاً أولئك المتواجدين في الساحل السوري المتاخم للبنان.
بحسب المعلومات التي حصلت عليها بلينكس من بعض أهالي المهاجرين، تقول إنّ قوافل الراغبين بالهجرة تنتقل من سوريا إلى لبنان عبر خط واحد يبدأ من الساحل السوري وصولاً إلى لبنان.
في حديثه لبلينكس، يقول المحامي محمد صبلوح إن هناك أعداداً كبيرة جداً من المهاجرين يحاولون الذهاب رغم أجواء الشتاء.
صبلوح يكشف أن المهربين ابتدعوا طرقاً جديدة للتهريب وقد اختاروا قبرص بسبب المضائق المائية الموجودة في محيطها، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تسهيل عملية الهجرة.
في حديثه عبر بلينكس يتساءل صبلوح عن دور الأجهزة الأمنية اللبنانية في رصد عمليات الهجرة، معتبراً أن الأمن لا يفعل شيئاً ولا يتحرك لتوقيف المهربين أو إحباط عمليات الهجرة إلا في أحيان قليلة ونادرة.
يوضح المحامي اللبناني أنّ هناك مناطق أساسية تنطلق منها رحلات المهاجرين، وهي منطقتي العريضة وطرابلس في شمال لبنان، ويقول "هاتان المنطقتان تعتبران أساسيتان للمهاجرين والمهربين، كما أن هناك مناطق أخرى كانت تستخدم للتهريب مثل شكا"، وهي بلدة ساحلية في شمال لبنان أيضاً.
تقرير لوكالة "رويترز" يقول إن قبرص شهدت زيادة في الهجرة غير الشرعية عبر البحر في العام الماضي من سوريا ولبنان.
في تصريح سابق عبر وكالة أسوشتيد برس، يقول المسؤول البارز في وزارة الداخلية القبرصية لويزوس هادجيفاسيلو إن هناك اتفاقية جرى توقيعها بين قبرص ولبنان عام 2004، تلزم الأخير بمنع ووقف العبور الحدودي غير الشرعي والهجرة.
بحسب المعلومات التي حصلت عليها بلينكس، فإنّ المهربين كانوا يطلبون 9 آلاف دولار لقاء الهجرة إلى أوروبا، في حين أن تسعيرة الهجرة إلى قبرص تبدأ من 3500 دولار وقد تصل إلى 5 آلاف.
فيما خص أعداد المهاجرين، فإنها ازدادت كثيراً خلال الآونة الأخيرة، وما تبين هو أن هناك 3 إلى 4 مراكب تنطلق يومياً من لبنان، في حين أن بعض الزوارق كانت تتضمن 60 شخصاً.
ما تبين أيضاً بحسب معلومات حصلت عليها بلينكس هو أن هناك أكثر من 1700 شخص وصلوا إلى قبرص خلال الأشهر الماضية، فيما تبين أن 55% من مجمل القوارب التي انطلقت من لبنان وصلت إلى الجزيرة التي تبعد حوالى 160 كيلومتراً فقط عن سواحل لبنان وسوريا. أما الجزء الآخر من الرحلات فقد جرى إحباطه من قبل السلطات القبرصية.
هنا، يتحدث صبلوح فيؤكد تلك المعلومات ويقول "هناك 10 مراكب بالحد الأدنى تنطلق أسبوعياً من لبنان، ومن الممكن أن يصل عدد الركاب على متن الزورق الواحد إلى 85 شخصاً من بينهم أطفال ونساء".
يشير صبلوح أيضاً إلى أن أعداد اللبنانيين المهاجرين إلى قبرص قليلة جداً، ويضيف "90% من المهاجرين هم من السوريين في حين أن هناك أشخاصاً من الجنسية الفلسطينية أيضاً".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة