سياسة
.
في البداية، أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، أن جميع أعضاء حزبه "يش عتيد" يؤيدون أي مبادرة لحجب الثقة عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكنيست، والإطاحة به من منصبه.
لكن بعدها، اجتمع نتنياهو ولابيد معاً لـ75 دقيقة وعرض الأخير على رئيس الوزراء إنقاذ حكومته وتوفير "شبكة أمان" تمكنه من قبول صفقة أسرى صعبة دون أن يتمكن إيتمار بن غفير من إسقاط الحكومة.
مجددا، وفي صباح الثلاثاء 6 فبراير، جدد لابيد دعوته للإطاحة بنتنياهو ووصفه بـ"غير المؤهل" لقيادة المرحلة الحالية وأن إسرائيل باتت على مقربة من أن توضع على نفس قوائم الدول المنبوذة مثل إيران بسبب حكومته.
فما قصة هذا الصراع؟ ولماذا يخشى نتنياهو عرض "خصمه" السخي؟ وهل تسمح "شبكة الأمان" تلك بتسريع قبول إسرائيل بالصفقة؟ وكيف أصبح بن غفير رئيس الوزراء الفعلي القادر على طرد نتنياهو بقرار واحد بحسب هآرتس؟
أحد القضايا الشائكة الرئيسية بين المعارضة والحكومة الإسرائيلية هي "الانقلاب القضائي" الذي قاده وزير العدل ياريف ليفين، وفجّر مظاهرات غاضبة على مدار عام كامل لإسقاط الحكومة.
ليفين عرض على لابيد أن يتنازل له عن وزارة العدل منهياً تلك القصة المثيرة للجدل، مقابل أن ينضم الأخير للتحالف الحاكم مع أعضاء حزبه الـ24 في الكنيست بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت.
وزاد حزب الليكود من سخاء عرضه لإغراء حزب يش عتيد، عبر تقديم وعد بمنح لابيد ورفاقه وزارتي المالية والأمن، اللتين يسيطر عليهما قادة تيار أقصى اليمين المتطرف بتسلإيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
نائبة الكنيست عن حزب يش عتيد ميراف بن عاري قالت إن المشكلة الوحيدة في هذا العرض كانت أن ليفين قال إن بن غفير وسموتريتش سيبقيان ضمن التحالف الحاكم حتى بعد التخلي عن حقائبهما الوزارية، وهو ما يرفضه لابيد.
على الناحية الأخرى، عرض لابيد السخي لنتنياهو بتوفير شبكة أمان للتحالف الحاكم، سواء عبر الانضمام له أو دعمه من الخارج بالأصوات في الكنيست، دون أن يطالب لابيد بأي حقائب وزارية.
لابيد قال لقناة كان الإسرائيلية: "قلت لرئيس الوزراء أنا لا أهتم بالوزارات، لقد عملت وزيرا للخارجية والمالية، وعملت كرئيس للوزراء، لكن أهتم بشيء واحد فقط: إعادة الرهائن، وإذا كان يحتاج إلى شبكة أمنية من أي نوع، سواء بدخول الحكومة أو البقاء خارجها، عليه فقط أن يقول ذلك".
رئيس حزب يش عتيد الوسطي، قال إن دافعه الوحيد لتقديم هذا العرض هو استعادة الإسرائيليين المحتجزين في غزة، باعتباره الواجب الأعلى على عاتق الحكومة، وكان شرط لابيد الوحيد هو طرد بن غفير وسموتريتش من التحالف لينضم له، ويتم صفقة تبادل الأسرى.
وقال زعيم المعارضة لنتنياهو إن عرضه ذلك ليس مجرد استعراض لأغراض إعلامية، مضيفا "أخرِج المتطرفين وسوف أدخل، ليس هناك أحد في النظام السياسي يستطيع أن يقول أنني قلت كلمة وخالفتها".
لكن رئيس الوزراء السابق لابيد قال إن نتنياهو "لا يبدو أنه يريد توديع سموتريتش وبن غفير".
نتنياهو، في اعتقاد المعارضة الإسرائيلية يعطي الأولوية لنجاته سياسيا وبقائه في الحكم، ويعي بأن قادة المعارضة يسعون للإطاحة به في أقرب فرصة وأن انضمامهم لتحالفه سيكون مؤقتا لحين انتهاء الحرب لا أكثر.
لذلك، فهو متمسك ببن غفير كورقة الضمان في بقاء حكومته في مكانها، حتى إذا انسحب كل أعضاء المعارضة من مجلس الحرب.
هذا ما دفع صحيفة هآرتس للقول إن بن غفير أصبح رئيس الوزراء الفعلي القادر على طرد نتنياهو لا العكس.
بن غفير هدد نتنياهو بشكل صريح بالانسحاب من الحكومة في حال موافقتها على صفقة تُنهي الحرب في غزة أو تفرج عن عدد كبير من المعتقلين والسجناء الفلسطينيين.
لذلك تقول صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن اجتماع نتنياهو مع لابيد من المحتمل أن يكون محاولة إظهار أن لديه خيارات أخرى إذا انسحب الفريق المتطرف، وبالتالي يضغط عليهم للبقاء في التحالف، لأن بن غفير يعي أيضاً أن مغادرته للحكومة تعني البقاء على مقاعد المعارضة لسنين طويلة.
لكن اجتماع نتنياهو الأخير مع لابيد يعني وجود مساحة على الأقل للتفاوض على "شبكة الأمان" في حال التوصل لصفقة تبادل.
في تلك الحالة، لن يكون بن غفير في الحكومة، ما يعني أن لابيد يمكنه الانضمام إليها، بحسب الصحيفة.
في نفس الوقت الذي يمد زعيم المعارضة يده لنتنياهو، لا يخفي لابيد عزمه على الإطاحة برئيس الوزراء اليميني.
فحتى بعد اجتماعهما الأخير، خرج لابيد بتصريح قال فيه إن "الحكومة الإسرائيلية لا تتمتع بالكفاءة".
وأضاف رئيس الوزراء السابق أن "نتنياهو ليس مؤهلا لإدارة هذه الأحداث، لا سياسياً، ولا عسكرياً، ولا اقتصادياً. نحن ببساطة بحاجة إلى أشخاص لديهم القدرة على إدارة هذا الحدث، ونحن لا نملك هذا في الوقت الحالي".
لابيد يعتقد أن نتنياهو يراوغ سياسياً عبر خلق صورة للمجتمع الإسرائيلي بأن عليهم الاختيار بين أمرين إما النصر أو استعادة الأسرى.
وأضاف رئيس يش عتيد بأن ذلك يعني أنه "إذا كنتم مع النصر فأنتم ضد استعادة المختطَفين. هذه صورة مشوهة تماماً، عودة المختطفين هي النصر، ولن يكون هناك نصر عسكري دون عودة المختطفين".
واختتم لابيد كلامه قائلاً إن "حكومة إسرائيل تخلت عن مواطنيها، ولم تحمي سلامتهم. نحن بحاجة إلى حكومة أخرى هنا تحمي مواطنيها".
لكن هل إطاحة لابيد بنتنياهو ممكنة؟
لا يستطيع رئيس المعارضة تنفيذ خطته لإسقاط نتنياهو إلا في حال تمكنه من إقناع 5 نواب كنيست من التحالف الحاكم، بالتخلي عن نتنياهو.
في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، انتقد وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير الرئيس الأميركي جو بايدن، الحليف الأكثر قرباً لإسرائيل.
بن غفير قال إنه "بدلاً من أن يقدم لنا دعمه الكامل، انشغل بايدن بتوصيل المساعدات الإنسانية والوقود إلى غزة، الذي يذهب إلى حماس. لو كان ترمب في السلطة لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفاً تماماً".
لابيد استغل تلك التصريحات للقول إن "بن غفير هو وجه الحكومة الحالية أمام العالم، وبالتالي تؤخذ تصريحاته على محمل الجد لأنهم يعرفون حجم ومدى تأثيره على الحكومة، وهو جزء من مجلس الحرب الموسع. وهذا ليس أمراً شائناً فحسب، بل إنه خطير أيضاً".
وقال لابيد في تصريحات أخرى إن الحكومة الإسرائيلية الحالية وبالأخص بن غفير وسموتريتش يتسببون لإسرائيل "بأضرار دولية فادحة".
وأضاف رئيس يش عتيد "ما كان ينبغي لنا أن نصل إلى وضع يتم فيه فرض مثل هذه العقوبات على المواطنين الإسرائيليين لأنها تضعنا على نفس القائمة مثل دولة كإيران".
وفي حوار مع القناة 11 التابعة للدولة قال لابيد إنه يشعر بقلق بالغ من اقتراب شهر رمضان مع استمرار بقاء بن غفير في مقعده كوزير الأمن.
أوضح سبب ذلك بالقول: "بعد شهر وبضعة أيام يبدأ شهر رمضان. أعتبر أنه من واجبي تحذير الحكومة: البلاد ليست مستعدة لذلك. لا يوجد لدينا تحضير، لا توجد خطة. إذا سمحوا لبن غفير بإدارة الأحداث الرمضانية، فسوف تشتعل المنطقة".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة