العراق بين واشنطن والميليشيات.. السوداني يبحث عن "توازن مفقود"

يبقى التحدي الأكبر أمام السوداني هو الحفاظ على استقرار العراق وسط توترات الصراعات الداخلية وضغوط القوى الإقليمية والدولية، وهو لن يأتي إلا بنجاحه في تحقيق التوازن بين العلاقة مع واشنطن من جهة والفصائل الموالية لإيران من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، كشف المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، في الـ26 من يناير الماضي، عن اعتماد السوداني على 3 مبادئ في تعامله مع التحالف الدولي، هي:

• الصراحة.
• الثقة
• التوازن.

والأخير كان الأهم، إذ عظّم فيه مصلحة العراق دون الميل إلى جهة الشرق أو الغرب، والحديث على لسان العوادي.

لكن هذا العنصر انفرط منذ مدة طويلة كما يقول محللون لبلينكس، وبالأخص بعدما بدأت الفصائل المسلحة استهداف القواعد الأميركية داخل البلاد وخارجها، ووصفوه بعدم النجاح في التعامل مع الأمور إلى الحد الذي وصلت فيه إلى الانزلاق، بعد ميله لكفة الفصائل المسلحة التي تمثل إيران في العراق، الذي وعد بلجمها لتجنيب البلاد وضعا كارثيا بدأت تعيشه اليوم.

المحلل السياسي أحمد السراج يقول لبلينكس، إن الحكومة منذ البداية وعقب اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر اتخذت موقف المتفرج أمام تنفيذ الجماعات المسلحة العشرات من الهجمات على القواعد العسكرية الأميركية، وهذا نابع من أن السوداني يمثل الإطار التنسيقي القريب من إيران، الذي يضم هذه الفصائل.

وبيّن السراج أن السوداني مال إلى كفة دون أخرى، عقب عجزه عن إيقاف هجمات المسلحين والاكتفاء بإصدار البيانات دون الأفعال، وهو ما أوصل الحال لشفا الحرب التي عليها اليوم.

الأحداث التي يعيشها العراق اليوم، والإدانة الحكومية للضربات الأميركية دفعت بالكثير من الناشطين إلى تداول مقطع فيديو للباحث السياسي الراحل هشام الهاشمي، الذي اغتاله أفراد في الميليشيات المسلحة، وأشارت أصابع الاتهام إلى كتائب حزب الله العراقية.

يقول الهاشمي، في هذا المقطع، إن الميليشيات عندما تستهدف الأميركيين أو تنفذ عملياتها في العراق والمنطقة تقول إنها "فصائل مقاومة" وليست منتمية للقوات الأمنية، لكن عندما يتم استهدافها تتباكى وتقول إنها قوات حكومية رسمية تابعة للحشد الشعبي.

الناشطون يرون أن الزمن يعيد نفسه، وأن الهاشمي وصف إشكالية الفصائل بين غطاء الدولة "الحشدي"، وغطاء الجماعات المسلحة "الفصائلي".

في أثناء حرب تحرير المحافظات العراقية الغربية والشمالية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي عليها، تمت المصادقة عام 2016 على قانون تشكيل ما يُعرف بـ"هيئة الحشد الشعبي"، التي تضم جميع الميليشيات المسلحة والمتطوعين الذين قاتلوا في تلك العمليات.

لكن تلك الهيئة أصبحت غطاء تمويليا وقانونيا، وجدت فيه الفصائل المسلحة مظلة لتمويل مقاتليها ومنحهم الصفة القانونية.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت الهيئة مبهمة الملامح، فهي رسميا تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، لكن واقعيا هي تشكيل منفصل خارج الدولة.

هذا التناقض بدا واضحا في فترة تولي رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الرجل الأقرب للولايات المتحدة، الذي خاض الكثير من المواجهات مع ميليشيا الحشد.

كان من بين تلك المواجهات أن طوقت ميليشيات الحشد مقره أكثر من مرة، ونزلت إلى الشوارع لتهديده عقب اعتقاله قاسم مصلح أحد أبرز قيادييها، بعد اتهامه بعملية اغتيال أحد الناشطين فيما يُعرف بـ"احتجاجات تشرين"، وأخيرا استهداف منزله وسط المنطقة الخضراء بطائرة مسيرة أدت إلى إصابته.

وفي قراءة ليست بعيدة عن الصراع الدائر وتعامل رئيس الوزراء العراقي معه، ذكر تقرير لمعهد "المجلس الأطلسي" الأميركي، صدر في منتصف يناير الماضي، أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يرسل رسائل "متضاربة" حول انسحاب أو بقاء القوات الأميركية في العراق.

يحذر التقرير من أن العلاقات بين بغداد وواشنطن تقترب بسرعة من ديناميكيات حقبة إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، عندما قرر اغتيال نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني في بغداد.

اعتبر التقرير الأميركي أنه بعد عام من الاستقرار والتسامح المتبادل بين بغداد وواشنطن، فإن العلاقات بين البلدين دخلت منعطفاً هو الأسوأ خلال الشهرين الماضيين.

ولفت التقرير إلى أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي كان من أشد مؤيدي العمل بصورة وثيقة مع الأطراف الفاعلة الدولية كافة، خصوصا الولايات المتحدة، وأنه حوّل العراق ليصبح بمثابة لاعب إقليمي وعامل استقرار.

وأضاف التقرير أن "العراق في عهده تمكن بنجاح من التوسط في نزاعات معقدة، ونتيجة لذلك، فإن الكاظمي تمتع بعلاقة قوية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلا أن خليفته السوداني لم يتمتع بدرجة مماثلة من الثقة خلال فترة رئاسته للحكومة".

وأوضح التقرير أن السوداني، ورغم تمكنه من تأمين هدنة مدتها عام بين الولايات المتحدة والفصائل المسلحة العراقية التي ترفض الوجود العسكري للتحالف في العراق، وتلقيه الدعم المعلن من إدارة بايدن، فإنه لم يسافر إلى واشنطن حتى الآن.

في حين انتهت الهدنة الأمنية بعد اندلاع الحرب بغزة في 7 أكتوبر 2023، مستبعداً أن يتم استقباله في البيت الأبيض قريباً، بخلاف الكاظمي الذي كان ضيفا مرحبا به بحرارة.

ورغم أن جميع الميليشيات المسلحة العراقية المنضوية تحت ما يُعرف بـ"محور المقاومة" تعلن عداءها لأميركا، فإن الاستهدافات الأخيرة للقواعد الأميركية لم يشترك فيها إلا 4 ميليشيات جميعها من مكوّنات الحشد الشعبي:

• كتائب حزب الله.
• النجباء.
• أنصار الله الأوفياء.
• كتائب سيد الشهداء.

وتركزت الضربات الأميركية على قادة حزب الله، باعتباره الفصيل الأبرز والأقوى بينها. ويشغل هذا الفصيل الألوية 17، 45، 46 47، داخل الحشد الشعبي.

وترتبط ميليشيا حزب الله بطهران من ناحية الجانب المذهبي والعقائدي، وهي لا تخفي ذلك، إذ أصدرت عدة بيانات مؤيدة للمواقف الإيرانية، وكثيراً ما هددّت بتنفيذ اعتداءات ضد مصالح الولايات المتحدة، بما في ذلك قواتها وقواعدها في العراق.

وتبنّت الكتائب معظم العمليات القتالية والهجمات ضد القوات الأميركية والقواعد العسكرية الأجنبية في العراق، وتتلقى الدعم من إيران، إلى جانب النجباء وأنصار الله الأوفياء وكتائب سيد الشهداء.