بقنبلة موقوتة.. غالانت يقلب "الساعة الرملية" على نتنياهو

خروج وزير الدفاع غالانت عن طوع رئيس وزرائه ورئيس حزبه الليكود بصورة مفاجئة على هذا النحو لم يكن بالأمر غير المتوقع، فالخلافات بين الرجلين في تصاعد منذ العام الماضي.

ففي شهر مارس الماضي، طرد نتنياهو، غالانت من منصبه بسبب مطالبة الأخير بإيقاف مؤقت للتعديلات القضائية المثيرة للجدل التي قادت إلى انقسامات داخل صفوف الجيش.

وأدى ذلك القرار إلى انفجار موجة كبيرة من الاحتجاجات في الشوارع ورفض خدمة الاحتياط، ما دفع نتنياهو للعدول عن قراره وإعادة غالانت إلى منصبه.

خلال الحرب الحالية على غزة تفاقمت الخلافات بين الرجلين بسبب أسلوب إدارة نتنياهو للحرب الذي يعتمد بصورة كبيرة على مناوراته السياسية الخاصة المتعلقة ببقائه في الحكم.

غالانت انتقد نتنياهو بصورة غير مباشرة في شهر يناير الماضي عندما قال إن "التردد السياسي" يشكل خطرا على ما أحرزه الجيش من تقدم عسكري على الأرض، على حد تعبيره.

واتسعت الفجوة بين نتنياهو وغالانت بعد إعلان الأخير في شهر يناير الماضي خطته لقطاع غزة بشأن اليوم التالي للحرب، بالإضافة إلى مطالبته لنتنياهو بعقد انتخابات عامة بعد 6 أشهر من توقف الحرب.

القانون الإسرائيلي ينص على تجنيد كل من يصل عمره لـ18 عاما، لمدة 32 شهرا للذكر، و24 شهرا للأنثى.

لكن الحريديم شديدي التدين بإمكانهم التملص من تلك الخدمة الإجبارية، بقول "توراتو أومانوتو" أي "دراسة التوراة هي عملي".

وفي هذه الحالة، يمكنه تأخير الخدمة في أثناء دراسته في مدرسة يشيفا دينية، وإذا وصلت سنه إلى 26 عاما يسقط عنه التجنيد الإجباري.

قبل الحرب الإسرائيلية على غزة، واجه غالانت تمردا وانقساما داخل الجيش خلال العام الماضي، إذ عزف عشرات الآلاف من الإسرائيليين عن خدمة الاحتياط احتجاجاً على تعديلات نتنياهو المقوضة للسلطة القضائية.

والآن يوشك غالانت على مواجهة موجة غضب أخرى داخل الجيش، لأن الحكومة أمام أحد خيارين:

1- تجنيد الحريديم إجبارياً في الجيش أسوة بباقي الإسرائيليين، وهو ما يعني انسحاب أحزابهم من الحكومة.

2- تجنيد بقية الإسرائيليين من غير الحريديم لسنوات خدمة إضافية، كتمديد خدمة الإناث لعام إضافي والذكور لأربعة أشهر أخرى، وهو ما سيعني ارتفاع موجات الغضب والتهرب من الخدمة العسكرية.

ففي كل عام، يتهرب ثلث الإسرائيليين الشباب من التجنيد الإجباري (نحو 32,9%)، بحجة معاناتهم من أمراض نفسية أو التفرغ لدراسة التوراة، ولا يكمل نحو 15% من المجندين سنوات الخدمة بالكامل.

ليس هناك الكثير من الوقت أمام الحكومة الإسرائيلية كي تقرر موقفها من هذا الأمر، فالمحكمة العليا أمهلت تحالف نتنياهو حتى يوم 1 أبريل لسن قانون جديد حول تسوية قضية خدمة الحريديم وإلا قد يجري تجنيدهم بالإجبار، وستوقف المحكمة الأموال المخصصة لمدارس اليشيفا التوراتية.

ويبدو أن غالانت حسم رأيه حين قال في مؤتمره الصحافي، الأربعاء، إن على "جميع أجزاء الأمة أن تتحمل العبء من أجل تحقيق أهداف الحرب والتهديدات التي تواجهنا".

انسحاب غالانت من الحكومة لم يكن بالأمر الوارد، لأن وجوده في مجلس الحرب يُعد ضروريا، لمنعه القرارات الطائشة أو المغامرات غير المدروسة، ولأنه كان سيتعرض للانتقاد الشرس من أنصار نتنياهو والاتهامات بالتقاعس وسط المعركة.

كذلك، مطالبة غالانت بعقد انتخابات وسط الحرب لم تكن لتلقى ترحاباً كافياً من الأحزاب السياسية الإسرائيلية سواء في الحكومة أو المعارضة.

مثلاً، أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع السابق ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض أعلن رفضه للانتخابات المبكرة وسط الحرب، لأن الدعاية السياسية ستقوّض من القدرة على اتخاذ قرارات عسكرية سليمة.

لذلك يقول المحلل الإسرائيلي أنشيل فايفر، إن "عبقرية" خطوة غالانت تكمن في أنه "في حين أن أغلبية كبيرة من الإسرائيليين يريدون رحيل نتنياهو، فإنهم ليسوا متحمسين لإجراء انتخابات في زمن الحرب. لكن إجراء انتخابات مبكرة لرفض الحريديم الخدمة في الحرب من المرجح أن يحظى بشعبية لدى معظم الإسرائيليين".

الشعب الإسرائيلي يسيطر عليه السخط تجاه الحريديم والنظرة إليهم على أنهم عبء على الدولة، لا يشاركون بصورة متساوية في واجباتهم القومية في الخدمة العسكرية أو النشاط الاقتصادي ويعتاش العديد منهم على مساعدات الدولة لدراسة التوراة.

لذلك يقول فايفر، إن عقد انتخابات وسط الحرب بسبب رفض الحريديم المشاركة في القتال لحماية إسرائيل سيكون بمثابة "سيناريو الأحلام" للمعارضة.

الصحافة الإسرائيلية تقول إن تصريحات غالانت الأخيرة كانت بتنسيق كامل مع وزير الدفاع السابق وعضو مجلس الحرب بيني غانتس المرشح الأبرز لخلافة نتنياهو.

وكان الأثر الأبرز لموقف غالانت هو منح غانتس وحزبه "حق الفيتو" حول مصير الحكومة على الرغم من عدم كونهم جزءًا من التحالف الحاكم.

حزب الوحدة الوطنية الذي يقوده غانتس والجنرال غادي أيزنكوت هو أحد أبرز أحزاب المعارضة، لكنه انضم إلى مجلس الحرب أو حكومة الطوارئ عشية هجوم 7 أكتوبر لتعزيز ثبات الحكومة.

ويضم الحزب أحد ألد أعداء نتنياهو، هو جدعون ساعر، الذي حاول سابقاً الإطاحة برئيس الوزراء من رئاسة حزب الليكود، ثم انشق عنه في عام 2020.

موقف غانتس من مسألة الحريديم صريح، فقد دعا إلى تجنيدهم بشكل تدريجي في الجيش، ومن غير الوارد أن يقبل باستمرار إعفائهم من الخدمة.

بإمكان نتنياهو استثناء غالانت من التصويت، ومحاولة تمرير مقترح قانون متعلق بالحريديم بالـ63 عضوا في الكنيست المتبقين في التحالف.

لكن معارضة شخص بثقل غالانت للمقترح قد تدفع المزيد من أعضاء الليكود إلى التمرد والتصويت ضد نتنياهو، فهناك بالفعل أصوات عديدة في التحالف الحاكم دعت لتجنيد الحريديم.

هذا يعني أنه يمكن لنتنياهو النجاة فقط، في حال تمكنه من إقناع الألترا أرثوذكس بالقبول بالتجنيد الإجباري وهو أمر صعب، أو في حال عثوره على طريقة مبتكرة، لتمديد مهلة المحكمة إلى بضعة أشهر أخرى، بحسب القناة 12.

وفي حال فشل التوصل لصيغة اتفاق قبل شهر إبريل، فإن صحيفة معاريف تتنبأ بانهيار الحكومة بعد عيد الفصح في النصف الثاني من شهر إبريل، لأن مدارس اليشيفا التوراتية ستخسر أموال الدعم الحكومي وسيكون مصير شباب الحريديم في يد الجيش الإسرائيلي.