كواليس مجزرة الطحين.. إسرائيل تستغل المجاعة "لاستبدال حماس"

تتولى منظمة الغذاء العالمي والأونروا عادةً نقل شاحنات المساعدات لنصف غزة الشمالي بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي الذي يسمح فقط بمرور بضع شاحنات قليلة جداً في كل مرة لا تكفي لسد احتياجات السكان ما يؤدي لتدافع وهجوم على تلك الشاحنات عند وصولها للشمال.

لكن في الأسبوعين الماضيين، أوقفت الأمم المتحدة نقل شاحنات المساعدات للشمال احتجاجاً على عرقلة إسرائيل وصولها وتقييد كميات المساعدات للشمال بشكل كبير ما يزيد من الفوضى والهجوم على الشاحنات.

هذا بالإضافة لقيام الجيش الإسرائيلي بملاحقة وتصفية رجال الشرطة وموظفي حكومة حماس الذين حاولوا تنظيم الأمور الحياتية في الشمال وإدارة عملية تأمين المساعدات وتوزيعها.

لكن بدلاً من الاستجابة لمطالب برنامج الغذاء العالمي، حاول الجيش الإسرائيلي الالتفاف على الأمم المتحدة عبر محاولة تنظيمه دخول قوافل مساعدات للشمال من خلال رجال أعمال محليين تواصلت معهم السلطات الإسرائيلية بشكل مباشر.

عندما اقترحت الحكومة الإسرائيلية أن تدير شؤون الغزيين الحياتية مجموعة من العشائر والعائلات، سارع مجلس العشائر الفلسطينية للتعبير عن رفض الخطة وعدم التعاون معها.

لكن المدخل البديل الذي يحاول من خلاله الجيش تجنيد بدلاء عن حماس والسلطة الفلسطينية لتنظيم شؤون غزة هو المدخل الإنساني والإغاثي من حيث الطعام والشراب.

كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن مسؤولي الجيش الإسرائيلي اتصلوا بالعديد من رجال الأعمال في غزة بشكل مباشر وطلبوا منهم المساعدة في تنظيم ٤ قوافل مساعدات خاصة إلى المنطقة الشمالية من قطاع غزة.

وأضافت الصحيفة أن رجلي أعمال، قبلا المشاركة في العملية وساعدا في توفير بعض الشاحنات التي شاركت في قافلة يوم الخميس عند وقوع "مجزرة الطحين".

أحد رجال الأعمال أخبر الصحيفة أنه وافق على الأمر من منطلق برغماتي لأنه رأى عائلته وأصدقائه وجيرانه "يموتون من الجوع" بعد تعطيل الجيش الإسرائيلي لتوصيل قوافل المساعدات لأيام وأسابيع متعددة.

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بيتر ليرنر قوله إن الجيش الإسرائيلي قام بإدخال 38 شاحنة مساعدات بهذه الطريقة على مدار ٤ أيام، وكانت حمولة الشاحنات هي من التبرعات الدولية لغزة ولكن على مركبات خاصة.

وتقول يديعوت أحرونوت إن قيام الجيش بالاستعانة برجال الأعمال أولئك لتسلم ونقل المساعدات هو جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية لاستبدال حكومة حماس.

"من يسيطر على المساعدات في شمال غزة هو من ستكون له الغلبة والسيادة، نظراً للكارثة الإنسانية والتجويع الطويل لمئات آلاف الفلسطينيين في هذا النصف من القطاع"، بحسب ما تقول الصحيفة.

أحد أكثر العشائر التي تردد ذكرها في السطو على المساعدات في شمال غزة هي "دغمش" التي ينتمي بعض أفرادها لتنظيمات متشددة.

في عام 2007، قام بعض أفراد عائلة دغمش باختطاف الصحافي البريطاني ألان جونسون لتقوم حركة حماس بتحريره بعد أربعة أشهر، بحسب الغارديان.

وفي عام 2008، خاضت حركة حماس اشتباكات دامية مع عائلة دغمش لنزع السلاح منها.

مصادر في شمال غزة أخبرت بلينكس أن الجيش الإسرائيلي تواصل مع عائلة دغمش وغيرها من العائلات الكبرى في غزة مثل عائلة أبو وردة بهدف خلق نوع من التعاون بينهم بحيث تلعب تلك العائلات دورا في تنظيم شؤون شمال غزة الإنسانية.

لكن من غير الواضح إذا كان الرد إيجابياً على طلب الجيش الذي لجأ في نهاية المطاف لبضعة رجال أعمال لنقل المساعدات.

صحيفة يديعوت أحرونوت تقول إن عرقلة إسرائيل لوصول وتوزيع المساعدات الإنسانية بالمستوى المناسب في شمال غزة قد يكون جزءا من استراتيجية للضغط على دول خارجية للعب دور مباشر على الأرض يتسق مع رؤية نتنياهو لليوم التالي للحرب في أن تكون هناك لجنة دولية لإدارة شؤون غزة المدنية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي يرى أنه بعد انتهاء الحرب، يجب أن يبقى للجيش الإسرائيلي حرية عملياتية للخروج والدخول إلى غزة وقتما شاء لتنفيذ عمليات اغتيال واعتقال وملاحقة.

وفي الوقت نفسه، يجب أن يتحمل عبء توفير الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع لجنة دولية، بينما يتم إلغاء أي تواجد للسلطة الفلسطينية أو حماس في حكم غزة.

إسرائيل لم تنجح حتى اللحظة في اقناع أي دولة بالقبول بشكل رسمي بهذا الدور الذي يعفي إسرائيل من مسؤولياتها كالقوة المحتلة ويعزل غزة عن السلطة الفلسطينية في الضفة ويلغي دور الأونروا.

يديعوت قالت إن سبب تباطؤ نتنياهو في معالجة الكارثة الإنسانية في غزة هي أنه يريد من خلال أزمة المجاعة والمشاكل المتزايدة في عملية نقل وتوزيع المساعدات أن يجبر المجتمع الدولي على خلق هيئة على الأرض في غزة لتوزيع المساعدات بإشراف دول عربية وغربية.

حتى اللحظة، سياسة التجويع الإسرائيلية المتعمدة في غزة دفعت العديد من الدول للقيام بعمليات إنزال جوي لطرود غذائية فوق النصف الشمالي من القطاع دون إرسال أطقم عمل على الأرض.

وبالفعل سارعت إسرائيل لمحاولة تحفيز هذا النهج والتشجيع على استمرار التدخل الإغاثي تلك الدول، فقد أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستوقف إطلاق النار يومياً لمدة أربع ساعات من 10 صباحاً وحتى 14 ظهراً تحت ذريعة السماح للمواطنين التقاط المساعدات الجوية.