"زلزال إسطنبول" في انتخابات بلديتها

يشغل إمام أوغلو منصب عمدة إسطنبول منذ 5 سنوات، وخلال المدة الفائتة أطلق الكثير من الوعود لمواجهة الكارثة في حال حصولها، كما يتوقع الخبراء.

ورغم أن جهوده لم تصب خلال السنوات في إطار فعلي بدأ يسلك مساراً جدياً بعد كارثة زلزال الولايات الجنوبية، وبعد بروز قوروم كمافس قوي.

ويقوم المسار الجديد لإمام أوغلو على ما بات يعرف بـ"تعبئة إسطنبول". ووفق التفاصيل الخاصة بها والمنشورة على موقع بلدية إسطنبول الرسمي تتضمن الآتي:

• بدء أعمال التحول الحضري الموجهة نحو الكوارث.
• جعل البنية التحتية الحالية وشبكة النقل مقاومة للكوارث.
• إجراء دراسات الزلازل وعلوم الأرض.
• إنشاء مناطق التجمع/الإيواء بعد الكوارث.
• التدريب المرتكز على الكوارث وبناء القدرات.

يرفع قوروم منذ ساعة الإعلان عن اسمه كمنافس من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان شعار "فقط إسطنبول". ويعلنها صراحة أن "الزلزال قضية مهمة مثل مكافحة الإرهاب". كما يضيف: "عندما نطرح مشاريعنا وأحلامنا، فإن أهم بند في جدول أعمالنا هو الزلازل".

على مدى الأسابيع الماضية دخل قوروم القادم من وزارة البيئة والتحضر العمراني في عدة سجالات مع منافسه إمام أوغلو، في مشهد لم يسبق وأن انعكس في السابق، كونه يوصف بـ"السياسي الهادئ".

ورد بالقول عبر موقع التواصل "إكس": "الغطرسة السياسية تغلبت على العقل. بينما يتحدث جميع علمائنا وأساتذتنا عن حقيقة الزلازل، يقول عمدة العاصمة الحالي لا ينبغي القيام بذلك".

"هل يجب على الناس الجلوس في المباني الخطرة وانتظار وقوع الزلزال؟"، حسبما تابع قوروم رافضاً حديث إمام أوغلو لوسائل الإعلام بأن ما يطلق من وعود عبارة عن "استثمار انتخابي".

تقوم الخطة التي يروج لها مراد قوروم على إعادة تأهيل الأبنية القديمة في إسطنبول، وبناء أخرى جديدة مع التركيز على مراكز الطوارئ والاستجابة لها.

وتتضمن بالمجمل:

• العمل ليلاً ونهاراً حتى لا يبقى أي مبنى محفوف بالمخاطر في إسطنبول.
• استكمال عملية بناء 170 ألف منزل قيد التنفيذ.
• إيصال عدد المباني التي يتم تشييدها إلى 650 ألف منزل في إسطنبول.
• بناء مركز إدارة الكوارث للحفاظ على سلامة سكان إسطنبول.
• إنشاء مراكز الخدمات اللوجستية والقضاء على ظاهرة الأبنية المحفوفة بالمخاطر.

يبلغ عدد سكان إسطنبول 16 مليون نسمة، وتعد المحرك التجاري للبلاد. لكنها تقع بالقرب من الفوالق الأرضية في الصفائح التكتونية التي تتقاطع في تركيا.

وكان زلزالان فصلت بينهما 3 أشهر أسفرا عن مقتل قرابة 20 ألفاً في شمال غرب البلاد عام 1999. والآن يقول علماء الجيولوجيا وأبرزهم ناجي غورو إنه من الممكن أن يقع زلزال جديد.

الباحث السياسي التركي، هشام جوناي يرى أن طرح موضوع الزلزال في الفترة الحالية يعتبر طبيعياً كون البلاد مقبلة على انتخابات، ولأنه أكثر ما يشغل بال المواطنين. ويقول إنه وخلال فترة إمام أوغلو "لم نلاحظ الأهمية التي يعيرها اليوم لموضوع الزلزال، وتشييد المباني الضعيفة".

"المعارضة التي كان من المفترض أن تعطي شكلاً إدارياً مختلفاً لم تتعمق في الموضوع لأنه طويل وصعب كون مدينة إسطنبول كبيرة، ومترامية الأطراف"، وفق حديث جوناي لبلينكس.

ويضيف أن "هناك العديد من الإجراءات التي يجب أن تنسقها البلدية مع الحكومة لكي تتمكن من إجراء بعض التعديلات على قانون الإعمار وتشييد المباني. وهو الأمر الذي لم يتم".

الباحث يوضح بالقول أيضاً: "عندما تكون البلدية معارضة يصعب عليها التنسيق مع الحكومة". وفي المقابل "عادة ما تقوم الأخيرة (الحكومة) بعرقلة مسار التنسيق، لإفشال المشاريع التي تسعى إلى تطبيقها البلدية"، على حد تعبير جوناي.

يعتبر علي أسمر وهو صحفي ومحلل سياسي مختص بالشؤون التركية أن "كلا المرشحين إن كان مراد قوروم أو إمام اوغلو يحاولان استخدام كل الأوراق للوصول إلى الهدف، وهو الفوز ببلدية إسطنبول".

ويوضح لبلينكس أن الموضوع الأهم في الإعلام التركي بالنسبة لإسطنبول هو الزلزال، كونه يأتي بعد الكارثة التي حلّت في 11 ولاية تركية، فبراير العام الماضي.

أسمر يعتقد أن "كلا الطرفين يأخذون موضوع الزلزال على محمل الجد الآن، وليس سابقاً". ويضيف: "هم تأخروا وكان يجب عليهم أن يكون لديهم بعد نظر لهذا الملف، لأنه ليس بالمفاجئ. منذ التسعينات يقال إن إسطنبول مهددة بزلزال مدمر".

ومع ذلك يشير الباحث التركي إلى أن "تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي".

ويتحدث أنه "شهد شخصياً بداية مشروع التحول الحضري في إسطنبول للأبنية القديمة"، وأن منزله كان من البيوت التي دخلت في المشروع في منطقة الفاتح، حيث تم هدمه لإعادة إعماره مرة أخرى.

يعتقد الباحث السياسي جوناي أن "كارت الزلزال دائماً ما يكون مهماً في الدعاية الانتخابية، لكن لا الحكومة رأينا منها التحول المطلوب على مدى أكثر من 20 سنة ولا المعارضة التي تدير الدفة منذ 5 سنوات". ويعتبر أن "الموضوع شائك وعميق ومكلف وله الكثير من التشعبات".

في المقابل، يوضح الباحث أسمر أن الحكومة تضع في صلب أهدافها مشروع التحول الحضري في إسطنبول، وعلى أساس ذلك تم اختيار مراد قوروم من بين العديد من الشخصيات في "العدالة والتنمية".

قوروم مهندس مدني تخرج من جامعة سلجوق في مدينة قونيا. وتقلد مناصب كثيرة بخصوص ملف البيئة، وعندما ضرب الزلزال المدمر مدن جنوب تركيا تم تسليط الضوء عليه إعلامياً، من خلال زياراته المكثفة للمدن المتضررة وهو يرتدي الملابس الميدانية، وفق الباحث التركي.

أما إمام أوغلو، فيضيف أسمر أنه "مهتم جداً بموضوع التحول الحضري، ولكن الحكومة المركزية لا تدعمه بما فيه الكفاية، ولهذا لم يستطيع إنجاز الكثير على أرض الواقع في هذا الموضوع".

وفي المقابل، أنجز الكثير نظرياً عبر المخططات والدراسات، وهذا ما نراه على حسابات التواصل الاجتماعي، كونه يمتلك فريقاً قوياً يتغلب على التسويق الرقمي للحزب الحاكم، حسب حديث الصحفي والباحث التركي.