سياسة
.
في ردها على دعوات مقاطعتها وعزلها، لطالما قالت الجامعات الإسرائيلية إنها مؤسسات ديمقراطية تقدمية تسمح بحرية التعبير والرأي والتعددية مثل باقي جامعات العالم.
لكن تلك الصورة بدأت تنكسر مع اندلاع الحرب في غزة، حيث تشهد الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية ملاحقة متزايدة للأصوات المناصرة لغزة والمعترضة على الحرب.
من أبرز "ضحايا" تلك الملاحقة، البروفسورة، نادرة شلهوب كيفوركيان، التي أوقفت عن العمل في الجامعة العبرية بعد أن عملت هناك لـ26 عاما.
ويعود السبب إلى توقيعها على عريضة تدعو لإنهاء الحرب في غزة، وتتهم إسرائيل بـ"جريمة الإبادة الجماعية".
شلهوب كيفوركيان ليست الوحيدة، فهناك العشرات من الطلاب والمحاضرين الذين تعرضوا للعقاب بسبب مواقفهم من حرب غزة خلال الأشهر الـ٥ الماضية.
وتعتبر منظمة عدالة الحقوقية في إسرائيل إن تلك الإجراءات تمييزية وانتقائية باستهدافها الطلاب والأكاديميين المتضامنين مع غزة دونا عن غيرهم.
فكيف أصبح التضامن مع غزة تهمة في إسرائيل؟
بدء الهجوم على البروفسورة في نهاية شهر أكتوبر الماضي حين وقعت على عريضة أكاديمية تطالب فيها بإيقاف حرب غزة، واتهمت إسرائيل بـ"ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية".
هذا الأمر دفع الجامعة بشكل سريع لإرسال طلب لشلهوب كيفوركيان، للتوقف عن التدريس بشكل طوعي بسبب آرائها، وهو ما استهجنته البروفسورة، المتخصصة في علم الجريمة، وصاحبة كرسي لورانس د. بيلي في كلية القانون، والتي لها أكثر من 130 منشورا وكتابا أكاديميا ومقالا علميا.
منظمة "إم ترتسو" الإسرائيلية المتطرفة قالت إنها شنت حملة مكثفة ضد شلهوب كيفوركيان خلال الأيام الأخيرة، وأرسلت آلاف رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على شكاوى طلاب في الجامعة العبرية، على خلفية تصريحات أدلت بها البروفسورة في مقابلة إذاعية مؤخرا على بودكاست الشارع المقدسي.
خلال المقابلة قالت شلهوب كيفوركيان إن "إسرائيل تستغل مزاعم الاغتصاب، ضد حماس، كسلاح سياسي لتبرير ما تفعله في غزة".
وأضافت "سوف تستغل إسرائيل كل شيء للمزيد من القتل. إنها آلة قتل ونظام سياسي لا يمكنه البقاء إلا من خلال محو الفلسطينيين، وفقط عندما يتوقفون عن ذلك ويعترفون بما يفعلونه، يمكننا أن نبدأ الحديث. لكن ليس مع المجرمين. يجب معاقبة المجرمين في هذه المرحلة".
ولفتت البروفسورة إلى "قيام الجيش الإسرائيلي بانتهاكات جنسية ضد الفلسطينيين، مثل تجريدهم من ملابسهم، وإذلالهم أمام الكاميرات، والقيام بالعبث بالملابس الداخلية في بيوت النازحين أو الضحايا والتقاط الصور الساخرة معها".
هذا الأمر دفع الصحافة الإسرائيلية لاتهام شلهوب كيفوركيان بـ"إنكار جرائم اغتصاب حماس"، لكنها ردت على ذلك قائلة إنها لا توافق أبدا على الانتهاكات الجنسية ضد أي طرف في الصراع لكن "هل إسرائيل تسمح بجمع سليم للأدلة؟ يتم استخدام أجساد النساء كأسلحة سياسية".
هذه التصريحات، وتوقيعها على العريضة دفعت الجامعة العبرية إلى إيقاف شلهوب كيفوركيان عن العمل حتى إشعار آخر وحثها على البحث عن جامعة أخرى للالتحاق بها.
قانونيا، لا يحق للجامعة فصل بروفسور أكاديمي مثبت بشكل دائم "tenured". لذلك قيام الجامعة العبرية بإيقاف شلهوب كيفوركيان عن العمل تمثل خطوة استثنائية، خاصة أنها تأتي على خلفية آراء شخصية وليست ارتكاب مخالفة جسيمة.
علاوة على ذلك، الجامعة أصدرت بيانا ضد البروفسورة قالت فيه بأنها "ترفض كل تصريحاتها المشوهة باشمئزاز. الجامعة العبرية تفتخر بكونها مؤسسة إسرائيلية، عامة، وصهيونية". وبررت الجامعة قرارها بأنه يأتي "حفاظا على سلامة الحرم الجامعي".
وكتب البروفيسور آشر كوهين، رئيس الجامعة، والعميد تامير شيفر في رسالة أنهما "يأسفان ويشعران بالخجل من أن الجامعة العبرية لديها مثل هذا العضو في هيئة التدريس".
وأضافا بأن شلهوب كيفوركيان "تواصل الاستفادة من سمعة مؤسستنا الرائعة، بينما تحرجنا على المستوى الإسرائيلي والدولي. إنها تأخذ حرية التعبير والحرية الأكاديمية إلى أقصى الحدود وتستخدمها بطريقة ساخرة إلى حد الاستفزاز والتحريض".
بينما ردت شلهوب كيفوركيان بأن تلك الرسالة "أججت حملة تحريضية شملت تهديدات خطيرة وغير مسبوقة" ضدها وضد عائلتها.
خليل السكاكيني، هو أديب فلسطيني بارز، سكن في القدس، وبنى في بيته عام 1934 مكتبة ثرية بالمطبوعات الأثرية والقديمة ومختلف العلوم.
بحلول النكبة الفلسطينية، استولت عصابات البلماخ على بيت السكاكيني في القطمون، ونهبت محتوياته، بينما انتهى الحال بالأديب الفلسطيني لاجئا في مصر.
بيت السكاكيني منحته إسرائيل لعائلة يهودية، بينما استولت الجامعة العبرية على مكتبته وضمتها لمكتبتها اليهودية القومية.
الجامعة العبرية ارتبطت أيضا مع تاريخ النكبة بشكل وثيق، حيث استخدمتها الميليشيات كقاعدة عسكرية لتخزين السلاح وشن الهجمات المسلحة ضد الفلسطينيين.
ففي شهر مارس من عام 1948، أي قبل وقوع النكبة بشهرين، نشرت صحيفة فلسطين بوست، لاحقا أصبح اسمها جيروزاليم بوست، تهديد القيادي الفلسطيني، عبد القادر الحسيني، ضد العصابات ومطالبتهم بالتوقف عن استخدام الجامعة العبرية ومستشفى هداسا لشن الهجمات، وإلا فإنه سيقوم بالهجوم على تلك المؤسسات.
خلال الأشهر الـ٣ الأولى من الحرب في غزة، أحالت الجامعات الإسرائيلية المختلفة عشرات الطلبة الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية (عرب 48) لإجراءات تأديبية بتهم متعلقة بالتعاطف مع غزة أو تأييد هجوم 7 أكتوبر.
قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إنه بحلول شهر يناير أصدرت تلك اللجان التأديبية قرارات في 65 حالة، 12 منها انتهت بطرد الطلاب المعنيين، و14 انتهت بإيقاف مؤقت و6 تمت معاقبتهم بإجبارهم على كتابة رسائل اعتذار أو القيام بخدمة مجتمعية لساعات طويلة.
وتقول منظمة عدالة الحقوقية في إسرائيل تلك الإجراءات "انتقائية"، وتستهدف بشكل رئيس فلسطينيي 48، ويتم اتهامهم بـ"دعم الإرهاب" لمجرد مشاركة آية من القرآن أو التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين في غزة.
مثلا، في بداية شهر يناير الماضي، أعلنت جامعة حيفا إيقاف 8 طلاب فلسطينيين حاملين للجنسية الإسرائيلية، وإحالتهم للتحقيق، ومنعهم من دخول الحرم الجامعي.
والسبب بحسب الجامعة هو قيام أولئك الطلاب بمشاركة منشورات داعمة لهجوم 7 أكتوبر أو كتابة عبارات في ذلك اليوم مثل "صباح الخير".
رئيس الجامعة جاي ألوري أرسل رسالة لـ٦ من الطلاب الموقوفين قال فيها إن ذلك الإجراء ضروريا لحماية الموظفين والطلاب، وأن "الطلاب المتأثرين بالحرب يحتاجون إلى حمايتنا ودعمنا الآن، أكثر من أي شخص آخر".
وفي جلسة الاستماع التأديبية الأولية، أجبر ألوري الحضور على مشاهدة ٧ دقائق من هجوم "طوفان الأقصى" بهدف تبرير الإجراء السريع ضد الطلاب.
جامعة بن غوريون- النقب، أوقفت طالبة من فلسطيني 48 في كلية التمريض وأحالتها لإجراءات تأديبية لمجرد مشاركتها وثم حذفها لمنشور تقصي حقائق fact checking حول المزاعم الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر.
المنشور عبارة عن مقطع فيديو يفند رواية قيام عناصر حماس بقطع رؤوس أطفال وإحراق رضع في كيبوتس بئيري، ويتهم الجيش الإسرائيلي بقصف بعض المنازل في الكيبوتس على رؤوس الرهائن ومسلحي القسام على حد سواء.
وادعى الفيديو أيضا أن طائرات مروحية إسرائيلية قصفت إسرائيليين في حفل نوفا الموسيقي.
الطالبة حاولت تدارك الموقف مع جامعتها من خلال نشرها رسالة تعتذر فيها لزملائها الطلاب وتقول إن إعادة نشرها لذلك الفيديو هو نتيجة "للاستهتار والعبث وعدم فهم العواقب".
في المقابل، اللجنة حكمت على الطالبة بأن تقوم بخدمة مجتمعية لمدة 40 ساعة وأن يتم توبيخها بشكل رسمي، وأخبر رئيس الجامعة، حاييم هامس، الطالبة بأن عليها أن تتجنب الفصول الدراسية وأن تدرس في مكتبة الجامعة أو أي مكان آخر مراعاة لمشاعر زملائها.
إدارة الجامعة اعتبرت قرار اللجنة متساهلا وقامت باستئنافه، وطلبت إعادة النظر فيه قائلة إنه يجب مراعاة زملاء الطالبة في الجامعة "فبعضهم يمر بحالة عاطفية صعبة للغاية بعد المجزرة، وغير قادرين عاطفيا" على التواجد في حضورها.
وهدد بعض الطلاب "بقلب الجامعة رأسا على عقب" إذا عادت تلك الطالبة لمقاعد الدراسة. وفي النهاية، فصلت الجامعة الطالبة لعام على أن تتمكن من العودة للدراسة العام المقبل".
في نهاية شهر فبراير الماضي، مع دخول حرب إسرائيل على غزة شهرها الـ٥، أعلنت جامعات نرويجية عدة مقاطعة وإيقاف أو إنهاء علاقتهم مع جامعات إسرائيلية "متورطة بدعم الجيش الإسرائيلي أو المستوطنات الغير شرعية في الأراضي المحتلة".
ضمت القائمة جامعة OsloMet التي أوقفت علاقاتها مع جامعة حيفا، وتعهدت "بعدم الدخول في أي اتفاقيات جديدة مع الجامعات الإسرائيلية المتواطئة، وستعمل على إنهاء عقود الشراء مع الموردين المرتبطين بالجيش الإسرائيلي أو المستوطنات غير القانونية".
وذلك بالإضافة لجامعة جنوب شرق النرويج التي أنهت علاقاتها مع جامعة حيفا وكلية هداسا الأكاديمية قائلة إن الحرب الإسرائيلية "غير مقبولة، وتقوض الأساس الديمقراطي الذي يجب أن تبني عليه جميع الجامعات".
وأنهت أيضا جامعة بيرغن ومدرسة بيرغن للهندسة المعمارية اتفاقيات تعاونها مع أكاديمية بتسلئيل الإسرائيلية للفنون والتصميم بعد إقامة ورشة عمل في الحرم الجامعي لتصميم وخياطة الزي الرسمي والعتاد للجيش الإسرائيلي.
وعلقت جامعة نورد الاتفاقيات القائمة مع "الجامعات الإسرائيلية المتواطئة" وتعهدت بعدم الدخول في أي تعاون جديد، بينما دعا اتحاد الطلاب النرويجيين لإنهاء "التعاون الأكاديمي مع الجهات الفاعلة التي تساهم في إضفاء الشرعية على الأنظمة القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان".
ودعا مجلس طلاب جامعة أوسلو إلى "إنهاء كافة أشكال التعاون المؤسسي مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية والشركات التي تساهم وتدعم الاحتلال والفصل العنصري والمستوطنات غير القانونية وجرائم الحرب"، وفق قوله.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة