"برعاية أمنية".. شبكة ابتزاز في العراق

في يناير الماضي، عُثر على ضابط كبير في وزارة الداخلية العراقية منتحرا داخل منزله في مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد بعد تناوله السم.

الضابط ترك بجانبه وصية مكتوبة على ورقة توضح أسباب انتحاره، إذ أكد تعرضه لعمليات ابتزاز ومساومة من قبل شخصيات انتحلت اسمه، للحصول على أموال من المواطنين مقابل وعدهم بالتعيين، ومنحهم هويات حيازة السلاح من دون علمه، وهو ما أدى إلى تورطه بقضايا مالية.

حينها حذّر مراقبون من وجود جهات عليا مسؤولة ومن داخل المؤسسة الأمنية، وذلك لعدم قدرة الضابط على تقديم شكوى ضدهم بدال من الانتحار، بخالف لو كانوا مواطنين عاديين.

تلك الحادثة، وحوادث أخرى مشابهة، يبدو أنها باتت مفهومة، بعد إعلان قيادة القوات المسلحة العراقية عن إيقاف شبكة ابتزاز من داخل المؤسسة الأمنية نفسها، تساوم الضباط والمنتسبين وتبتزهم.

البيان الصادر عن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة جاء من دون سابق إنذار، وأشار فيه إلى أن لجنة مسؤولة عن التحقيق توصلت إلى تحديد شبكة من داخل المؤسسة الأمنية تعمل على استغلال مواقع التواصل الاجتماعي (صفحات بأسماء مستعارة) الابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة إلى رموزها، فضلا عن مساومة الضباط والمنتسبين.

رسول أضاف أن "اللجنة قررت إحالة الضباط المتورطين بهذا الفعل غير القانوني إلى الإمرة ( لمعاش)، واستمرار الإجراءات القانونية اللازمة وإكمال التحقيقات بحقهم".

لم يعلن البيان أسماء الأعضاء في تلك الشبكة، لكن مصادر أمنية رفيعة أكدت لبلينكس أن من بين الشبكة متهميْن، أحدهما بدرجة لواء حالي بالشرطة العراقية، والآخر مسؤول كبير بالقوات المسلحة، بالإضافة إلى معاونيهما، وعدد آخر يصل إلى 30 من الضباط والمنتسبين لدى وزارتي الداخلية والدفاع.

إعلان تلك الشبكة ووجود أسماء لقيادات رفيعة ومعروفة أثار ردود فعل كثيرة من قبل الشارع والمنظومة الأمنية نفسها، تسببت بزعزعة صورة القيادات الأمنية خصوصا وصورة رجل الأمن عموما في الحفاظ على الأمن.

ويرى بعض الأمنيين، أن مثل هذه الصدمة لها تأثيرات في الواقع الأمني والعقيدة الأمنية للمنتسبين وفقدانهم الثقة وإطاعة الأوامر.

الخبير في الشأن الأمني سرمد البياتي، ورغم إشادته بالتحرك الحكومي للقضاء على تلك الظواهر، لكنه وصف ما حصل بالصدمة الكبيرة التي ستؤدي بالتأكيد إلى تبعات على المنظومة الأمنية، لا سيما في نظرة المنتسب إلى قياداته.

وتابع: "سيفقد المنتسب عقيدته العسكرية التي يجب أن يتمتع بها، في النظرة المثالية للمنظومة العسكرية ومن ينتمي إليها"، مطالبا الحكومة بمزيد من الضربات لتصفية المنظومة الأمنية من الشوائب المضرة بسمعتها وعملها.

الإساءة للمنظومة العسكرية ليست من فراغ، وإنما هي ناجمة من المحاولات المتكررة والحثيثة منذ مدة لإضعافها لصالح الجهات السياسية والحزبية، الإيمان بمبدأ الانتماء لها وللطائفة على أساس العقيدة العسكرية.

المحلل السياسي أحمد السراجي يقول، إن المنظومة العسكرية ما بعد عام 2003 شهدت تداخلات سياسية كبيرة، وتم توزيع المناصب فيها بناء على المحاصصة الحزبية والطائفية.

وتابع في تصريحات لبلينكس، أن هذا الأمر تسبب في "نخر هذه المنظومة وأصبحت إلى الحد الذي نرى فيه اليوم وجود شبكات ابتزاز ومساومة من قبل قادة كبار المفترض أن يكونوا هم المسؤولون عن الحماية من هذه الأفعال والتصرفات".

السراجي طالب أيضا الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة وجدية، وليس الإحالة إلى الإمرة (المعاش)، موضحا أن الاكتفاء بالإحالة سيسهم في زيادة هذه الظواهر، كون العقاب لا يتناسب مع حجم الإساءة.

ويرى الخبير بالشأن السياسي والأمني أن الفساد والمحسوبية السياسية ساهما بنخر جسد المنظومة الأمنية حتى حصل ما حصل.

استذكر الساعدي ظاهرة ما يعرف بـ"الضباط الدمج" الذين جاءت بهم الأحزاب ومنحتهم رتبا عسكرية ومناصب عليا من دون دراسة أو تدرج، وقال إن هذا كان الأساس لوصول مبتزين إلى سدة القيادة الأمنية.