مطابخ سودانية "تحت الرصاص" للتغلب على شبح الجوع

يعمل عبد الغفار عمر، منسقا لأحد تلك المطاعم، التي تمد أهالي السودان بالطعام، ويؤكد أن عمل الشبان على توفير تلك الوجبات، بدأ خلال الأيام الأولى من الحرب، فيما استحالت الخرطوم ومناطق أخرى بالسودان "مدن أشباح" بسبب موجات النزوح الكبيرة.

توفير الطعام لهؤلاء الذين ما يزلوا يقطنون في مدن الأشباح، لا يخلو من المتاعب، فلكي تعمل المطابخ، لابد من توافر مخزون من السلع، لكن المطابخ عادة تحتفظ بكميات تكفي أسبوعين فقط، خوفا من النهب بالطبع، وأيضا بسبب نقص السيولة المادية.

تقول الأمم المتحدة العاجزة عن الوصول إلى المدنيين العالقين خلف خطوط القتال، إن المتطوعين يساعدون أربعة ملايين سوداني محاصرين بسبب الحرب، ويقول برنامج الأغذية العالمي إن أقل من 5%من السودانيين يمكنهم أن "يوفروا لأنفسهم وجبة كاملة".

في أم درمان ينجح مكي وآخرون أحيانا في تنظيم توزيع وجبات مجانية في مسجد، ولكن هذا غير ممكن في منطقة بحري، الضاحية الشمالية للخرطوم المحاصرة جراء الصراع.

ويقول أحد المتطوعين لوكالة فرانس برس، طالبا عدم الكشف عن هويته: "إننا نختبئ لتوزيع الطعام".

أما محمد مختار فكان متطوعا في السودان أيضا قبل أن يلجأ للقاهرة، بعد أن فقد الكثير من رفاقه.

ويسترجع في حديثه مع فرانس برس كيف كانت تتم عمليات نقل الطعام، فيؤكد أنه لم يمكن من الممكن نقل كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة لعدم لفت الانتباه، ويضيف: "المطابخ العامة تتعرض للقصف من قبل الطرفين المتحاربين.. لكن ليس أمامنا خيار، من دونها سنموت من الجوع".

بشكل ما لم يكن التحدي في تنظيم الصفوف، حيث استند المتطوعون على إرث قديم، ففي التظاهرات ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي أسقط في 2019، تشكلت "لجان مقاومة" في كل حي لتنظيم الاحتجاجات. وتم تفعيل هذه اللجان في العام 2021.

في 2020، نظمت تلك اللجان حملة مكافحة فيروس كورونا أيضا، واليوم أصبح هؤلاء آخر شبكة أمان لنحو 48 مليون سوداني أصبحوا بلا بنية تحتية ولا خدمات أساسية.

ففي "قاعات التدخل السريع" الموجودة في جميع أنحاء البلاد يقوم أطباء ومهندسون وخبراء متطوعون بجمع تبرعات ويضعون قوائم بالأسر التي تحتاج المساعدة وبأسماء الجرحى لتوجيههم إلى المطاعم الشعبية المجانية وإلى المراكز الطبية الميدانية.

في فبراير الماضي، انقطع الإنترنت في السودان، وتوقف التطبيق المستخدم للدفع إلكترونيا عن العمل، بعد ذلك بأسبوعين توقفت الكثير من المطاعم المجانية عن تقديم خدماتها.

في مارس عادت الحياة لنصف المطابخ المغلقة فقط، فمع استمرار انقطاع الاتصالات في الخرطوم، يضطر المتطوعون للقيام برحلات طويلة للوصول إلى منطقة يمكنهم فيها الاتصال بالانترنت والحصول على نقود.

ومن ثم يتعين عليهم في طريق العودة تجنب نقاط التفتيش والرصاص المتبادل حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بالسيولة التي بين أيديهم من أجل شراء المواد الغذائية.

يشرف مكي الآن من القاهرة على جزء من التحويلات بعدما اضطر للسفر لمعالجة ابنته المصابة بالسكري، وتولت والدته الستينية إدارة المطبخ الذي كان مسؤولا عنه في أم درمان.

ويقول: "لا يهم أن نقتل أو نضرب أو يتم اعتقالنا .. المهم هو أن يأكل الناس".