هكذا يؤثر سقوط جسر بالتيمور على منتجاتك

شبهت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، سقوط جسر فرانسيس سكوت وتعطل ميناء بالتيمور، بعمليات إعاقة الملاحة البحرية التي حدثت في البحر الأحمر بعد حرب غزة، وتعطل قناة السويس بعد حادث جنوح السفينة "إيفر غرين" في عام 2021.

يمتلك جسر بالتيمور أهمية كبرى في التجارة العالمية، فهو يربط بين واشنطن العاصمة، ونيويورك، كما يحمل أهمية كبرى، نظرا إلى كونه مفتاح دخول البضائع وخروجها من الولايات المتحدة إلى أوروبا والعالم.

الصحيفة اعتبرت أن كل السلع في العالم يُمكن أن تتأثر بسقوط الجسر خلال الفترة المقبلة، بداية من أوراق دورات المياه، وحتى الهواتف الأميركية "آيفون"، والسيارات، وأشياء أخرى.

وذكر مسؤولون أميركيون أن حركة المرور البحري عبر ميناء بالتيمور المُغلق حاليا بلغت أكثر من 47 مليون طن من البضائع الأجنبية خلال العام الماضي، بالإضافة إلى تسجيل عبور 265 ألف حاوية في الربع الرابع من العام الماضي.

وأكد لارس جنسن، الخبير البحري، أن غلق الميناء سيخلق كارثة كبرى على الساحل الشرقي للولايات المتحدة بالنسبة للتصدير والاستيراد الأميركي، مضيفا: "انهيار الجسر سيتسبب في عدم إمكانية الوصول إلى محطات الحاويات، ومجموعة من محطات الموانئ الأخرى في بالتيمور، وهنا تكمن المشكلة".

كما يعني توقف العمل بالميناء، تعطل وظيفة 15 ألف شخص يعملون هناك، بالإضافة إلى ضبابية مستقبل 140 ألف وظيفة أخرى ترتبط بحجم التجارة في الميناء.

يبدأ الجسر عند مدخل ميناء بالتيمور، وهو الميناء الأكثر ازدحاما بصادرات السيارات في الولايات المتحدة، وتاسع أكثر موانئ العالم ازدحاما.

وقال المدير العام لمعهد التصدير والتجارة الدولية، ماركو فورجيوني، في تصريحات لشبكة "بي بي سي"، عن حجم التجارة الكبيرة التي تمر عبر جسر بالتيمور من الميناء، مشيرا إلى أن العام الماضي فقط شهد نقل 750 ألف سيارة.

وكان الجسر ينقل العديد من السيارات التابعة للعلامات التجارية الأميركية والإنكليزية والتابعة للاتحاد الأوروبي، مثل جنرال موتورز، وفورد، وجاكوار، ولاند روفر، ونيسان، وفيات، وأودي.

سقوط الجسر سيؤثر كذلك في نقل وشحن آلات الزراعة والبناء، وكذلك صادرات الفحم الأميركية، إذ أكد وزير النقل الأميركي بيت بوتغيغ، في مؤتمر صحافي، أن الحادث سيكون له تأثير كبير وطويل الأمد في سلاسل التوريد، مشيرا إلى أنه لا توجد معلومات محددة حتى الآن عن مدة تطهير القناة وإعادة فتح الميناء وبناء الجسر.

وكشف بوتغيغ عن تعطل العديد من سفن الشحن بسبب الحادث، إذ أشار إلى وجود 4 سفن عالقة في ميناء بالتيمور لا يمكنها التحرك، بالإضافة إلى 20 سفينة أخرى تنتظر دخول الميناء.

علق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على الحادث، بعد وقت قصير من سقوط الجسر في حديث لوسائل الإعلام، موجها الحكومة بالعمل الفوري على تمويل إعادة بناء الجسر المُنهار.

وقال بايدن، إن الحكومة الفيدرالية ستتحمل دفع التكلفة كاملة لإعادة بناء جسر فرانسيس سكوت في بالتيمور، مهما كلف ذلك من ثمن أو وقت.

وصرح بايدن: "وجهت فريقي لتحريك السماء وطي الأرض لإعادة فتح الميناء وإعادة بناء الجسر في أقرب وقت ممكن، ونعرف أن ذلك سيتطلب بعض الوقت، لكنني أقول لسكان بالتيمور الآن، يمكنكم الاعتماد علينا، سنقف بجانبكم في كل خطوة حتى تعود الأمور لطبيعتها".

واعتبر بايدن أن حادث سقوط الجسر لم يكن متعمدا، نافيا الشائعات التي تحدث حول احتمالية أن يكون اصطدام السفينة بالجسر مقصودا كعمل إجرامي لتهديد التجارة الأميركية.

ويأتي تدخل بايدن السريع ليعيد إلى الأذهان ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش عام 2007، عندما انهار الجسر السريع "W35" فوق نهر المسيسيبي، ليوجه بإعادة بناء الجسر بمبلغ 250 مليون دولار، ويتم اعتماد القرار بعد 5 أيام فقط من الواقعة.

توقع خبراء في مجال التأمين، أن تبدأ سريعا المعارك القانونية في الأيام القليلة المقبلة، من أجل الحصول على التعويضات والتأمين، في قاعة محكمة بالتيمور.

المالك السنغافوري للسفينة المنكوبة قد يلجأ إلى قانون قديم يعود إلى القرن الـ19 يخلي مسؤولية أصحاب السفن عند وقوع الحوادث، وفقا لما أكده أستاذ القانون في جامعة فوردهام بنيويورك، وهو يشبه ما استند إليه ملاك سفينة تيتانيك الشهيرة بعد اصطدامها بجبل جليدي.

ويحد هذا القانون من مسؤولية أصحاب السفن عند وقوع الحوادث، ويجعلها مقتصرة فقط على البضائع التي كانت تحملها، وقيمة السفينة نفسها.

وتوقع الخبراء أن تستمر المعارك القانونية لنحو 10 سنوات، يقدم خلالها كل الأطراف مستنداتهم والحجج اللازمة للحصول على التعويضات المطلوبة، إذ من المتوقع أن تكون واحدة من أكثر قضايا التأمين البحري إثارة للجدل في التاريخ.

وقد يكون الجزء الخاص من المطالبات التأمينية المتعلق بإعادة بناء الجسر هو الأسهل على الإطلاق في القضية، إذ تم البناء عام 1977 بقيمة 60 مليون دولار، ما يعادل الآن 300 مليون دولار حسب التضخم.

وتغطي ولاية ماريلاند الجسر تأمينيا، وتشير الوثائق إلى أنه يمكن تغطية تكاليف تصل إلى 350 مليون دولار، إذا لحقت أي أضرار بالجسر.

أما السفينة "دالي" ذاتها فهي خاضعة لتأمين شركة "نادي بريطانيا للحماية والتعويض"، التي قالت إنها تعمل بصورة مكثفة مع الشركة المالكة للسفينة والسلطات المعينة للتوصل إلى الحقائق كاملة، لإنهاء الملف سريعا.

قال مسؤولون إنه قبل الساعة 1:30 من صباح يوم الثلاثاء، اصطدمت سفينة حاويات عملاقة ترفع علم سنغافورة وتحمل اسم "دالي" بأحد أعمدة الجسر الرئيسية بصورة مفاجئة، ما أسفر عن انهيار كامل وسقوط الجسر في الماء.

وذكر المدير التنفيذي والمستشار العام لجمعية الربابنة الأميركية، كلاي دايموند، أن ربان السفينة فعل كل ما بوسعه من أجل تفادي وقوع الحادث، وعمل على إبطاء السفينة قدر الإمكان ومنعها من الانجراف باتجاه الجسر، لكنه لم ينجح.

وأشار دايموند إلى أن السفينة حدث بها عطل مفاجئ قبل دقائق من الاصطدام بالجسر، إذ انقطعت الكهرباء بالكامل، وتوقفت المحركات، ما جعل السيطرة عليها أمرا مستحيلا.

وحاول ربان السفينة إيقافها بإسقاط المرساة، ومحاولة تحويل المسار إلى أقصى اليسار، بعد إعطاء سلسلة من الأوامر السريعة لطاقمه، لكن في النهاية اصطدمت السفينة التي تزن 95 ألف طن، ويبلغ طولها 984 قدما بالجسر.