سياسة
.
بعد أسبوع واحد على إيقافه عن العمل، قررت الحكومة الإسرائيلية طرد وجه البروباغندا الشاب إيلون ليفي، بصورة نهائية، على الرغم من تفانيه في تبييض صورة حرب بلاده على غزة.
ليفي ذو اللكنة البريطانية الراقية وقع في ورطته تلك بعد نشره تغريدة رد فيها على وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، مدعيا أن إسرائيل ليست لديها مشكلة في عدد شاحنات المساعدات التي تسمح بدخولها لغزة.
لكن الأسباب الكامنة وراء هذا القرار تكشف تخبط ماكينة الدعاية الإسرائيلية وإحراجها لنفسها في الأشهر الأخيرة في عدة حوادث مختلفة.
فما قصة طرد إيلون؟ وكيف تدهورت الدعاية الإسرائيلية خلال الحرب الجارية؟ ولماذا يرى إسرائيليون بأن هذا التدهور أمر جيد؟
منذ السابع من أكتوبر، أصبح الشاب البريطاني الإسرائيلي إيلون ليفي أحد أكثر وجوه حرب إسرائيل على غزة شهرة عالمياً، بعد اختياره ليكون متحدثاً باسم رئاسة الوزراء باللغة الإنكليزية.
ليفي خريج جامعة أوكسفورد عمل على مدار الساعة على تبرير وتبييض انتهاكات إسرائيلية فظيعة في غزة، وشيطنة الفلسطينيين بصورة ممنهجة، بحسب الصحافي البريطاني البارز أوين جونز.
لذلك كان قرار الحكومة الإسرائيلية مفاجئاً عندما قررت إيقافه عن العمل، بسبب تغريدة عادية ادعى فيها زوراً بأن إسرائيل تسمح للشاحنات بالمرور لغزة بأقصى قدرة استيعابية ممكنة.
لكن عندما أصبح قرار فصله نهائياً، أعطت الحكومة الإسرائيلية العديد من الأسباب لطرده، ومنها أنه سعى للظهور على برنامج "الرقص مع النجوم" دون إذن مسؤوليه، وأنه نشر أخباراً كاذبة.
بالإضافة إلى أنه سخر من خطاب حسن نصر الله في شهر نوفمبر الماضي، في وقت لم تكن فيه إسرائيل تحاول التصعيد مع جبهة الشمال بحسب القناة 12 الإسرائيلية.
ليفي قال ساخراً في ذلك الوقت بأن إسرائيل ربما اغتالت كاتب خطابات نصر الله، لأن خطابه كان مملاً.
العديد من الشخصيات الحكومية البارزة في إسرائيل متورطة بنشر الأخبار الكاذبة بصورة ممنهجة، مثل المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري الذي أشار في مستشفى الرنتيسي إلى تقويم أيام الأسبوع وزعم بأنه أسماء مقاتلي حماس، وأنه دليل على احتجاز الرهائن.
لذلك، لم يكن منطقياً الاستغناء عن شاب مفوه بهذا الشكل، خاصة بالتزامن مع قول بنيامين نتنياهو إن إسرائيل في حاجة ماسة إلى متحدثين بالإنكليزية لتبييض صورتها عالمياً.
الإعلام الإسرائيلي يرى أن سارة نتنياهو كان لها دور في ذلك، إذ حاولت وضغطت من أجل طرده في وقت سابق من هذا العام، لمشاركته في الماضي بمظاهرات ضد زوجها.
في يوم الأحد الماضي، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تغريدة أثارت سخرية مواطنيها على نحو واسع، لتحذفها بسرعة بعد ساعات.
التغريدة كانت عبارة عن تهنئة لوزير الخارجية يسرائيل كاتس، لوصول عدد متابعيه على موقع X إلى 100 ألف متابع، وهو ما عده العديد من الإسرائيليين خروجاً عن مهنية الوزارة وهيبتها.
الصحافي المخضرم باراك رافيد كتب بأنه خلال تغطيته لوزارة الخارجية الإسرائيلية على مدار نحو 20 عاماً، لم يسبق له أن رأى مثل هذا "الإعلان السياسي المثير للشفقة في إعلان رسمي لوزارة الخارجية".
وأضاف رافيد "عار كبير على كل من شارك في هذا الاستخدام لموارد رسمية لدولة إسرائيل بغرض عبادة الشخصية وتعظيم الذات".
تلك الحادثة سلطت الضوء على نظرة الإسرائيليين السلبية إلى وزير خارجيتهم المسؤول عن تبييض صورة بلادهم عالمياً، وكيف أنهم يرونه غير كفء لتلك المهمة.
فقبل انتقادات الإسرائيليين للتغريدة، كتب الصحافي زئيف بارعيل في هآرتس بأن وزير الخارجية كاتس في مهمة "لتدمير علاقات بلاده الدولية".
وأضاف بارعيل، أن كاتس يشن حملة اغتيال سياسي حمقاء ضد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يعدها "جهاداً" مقدساً، وأن تلك الحملة ستعود على إسرائيل بالضرر فقط.
كاتس أرسل رسالة لغوتيريش يتهمه فيها بمعاداة السامية والتحيز ضد إسرائيل، في الوقت نفسه الذي كان قد عقدت فيه الأمم المتحدة جلسة لمجلس الأمن لمناقشة مزاعم الاغتصاب في يوم 7 أكتوبر أوفد فيها غوتيريش ممثلته براميلا باتين للإدلاء ببيان في صالح تلك الدعاية الإسرائيلية.
في ظل حملة إسرائيلية لحشد الدعم العالمي لحربها على غزة، وقعت السفارة الإسرائيلية في كوريا الجنوبية في مشكلة عندما نشرت إعلانا يحاول نشر الذعر والخوف وسط الكوريين.
الإعلان ظهرت فيها امرأة كورية مع أطفالها ليلة الكريسماس، وفجأة دخل عليها مسلحون ملثمون واختطفوها، لينتهي بعبارة "تخيل لو حدث لك ذلك، ما الذي كنت لتفعله؟".
وتباهى سفير إسرائيل في سول أكيفا تور، قائلاً "لقد أعدنا بناء الحادث الإرهابي المروع الذي وقع في 7 أكتوبر لمساعدة الكوريين الجنوبيين في شرق آسيا، بعيدًا عن إسرائيل، على فهم الوضع الحربي الحالي".
وقت بث هذا الإعلان كانت إسرائيل قد قتلت ما يزيد على 21 ألف شخص في غزة معظمهم من النساء والأطفال.
السفارة الإسرائيلية حذفت في النهاية ذلك الإعلان بضغط من حكومة كوريا الجنوبية التي قالت في بيان "قتل واختطاف مدنيين إسرائيليين على يد حماس لا يمكن تبريره، لكن إنتاج السفارة الإسرائيلية وتوزيعها لفيديو يقارن الوضع الأمني في دولة أخرى يُعد غير لائق".
تكررت حادثة مشابهة هذا الشهر بعد نشر السفارة الإسرائيلية في سنغافورة تغريدة قالت فيها إن اسم فلسطين لم يُذكر في القرآن في حين كلمة إسرائيل ومشتقاتها ذُكرت نحو 43 مرة، وهو ما دفع الحكومة السنغافورية إلى المطالبة بحذف تلك التغريدة وانتقادها على أنها إشعال لفتنة طائفية وانتقائية في اختيار معلومات دون أخرى من الكتب المقدسة.
أوفير جندلمان، المتحدث الخاص برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نشر مقطعاً مصوراً مجتزأ، وزعم بأنه دليل على أن الفلسطينيين يمثلون أمام الكاميرات والتظاهر بالمعاناة.
ولكن كانت المشكلة في ذلك المقطع أنه يعود لكواليس تصوير أغنية فنية في لبنان، وليست مشاهد "تمثيلية" من غزة كما زعم جندلمان، وهو الأمر الذي عرّض المتحدث باسم رئاسة الوزراء للسخرية بصورة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتلقى المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري موجة سخرية مشابهة بعد تقديمه "أدلة" مزيفة من مستشفيات غزة، لتبرير اقتحامها مثل تقويم أيام الأسبوع الورقي على الحائط الذي اعتبره هاغاري قائمة بأسماء "إرهابيي حماس".
بحسب الخبير الفلسطيني الهولندي معين رباني فإن الدعاية الإعلامية الإسرائيلية كانت في السابق "مهنية، ومعقدة، وذكية ومؤثرة"، وأنها كان مفصلة على مقاس المتلقي من حيث قدراته العقلية والعاطفية ومكان وجوده.
لكن رباني يقول إن البروباغندا الإسرائيلية اليوم أصبحت أكثر سوقية وفظاظة ومنفصلة عن الواقع، ويسهل تفكيكها وتسليط الضوء على تناقضاتها وركاكتها.
ويعزو رباني ذلك إلى سببين، الأول هو أن القائمين على "الهاسبارا"، وهي كلمة تعني العلاقات العامة أو البروباغندا، أصابهم الغرور والكسل والتفاخر بأمجاد الماضي مثلما حدث مع الطبقة العسكرية قبيل 7 أكتوبر.
ويضيف رباني، أن السبب الآخر والأهم هو أن إسرائيل تحول فيها الشعب والنخب السياسية نحو اليمين بصورة متزايدة، "لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على صياغة رسائل فعالة لجماهير متعددة دون انتهاك مبادئهم الأساسية"، في إشارة إلى رفض إسرائيل القاطع والعلني لحل الدولتين.
فمثلا، عندما ظهر سفير إسرائيل لدى الدنمارك في مناظرة تلفزيونية حول الحرب على غزة، أحرج المذيع السفير بصورة كبيرة بسؤال واحد في نهاية الحلقة وهو "هل تدعم حل الدولتين؟"، ليُصاب السفير بالتوتر ويعجز عن مجرد الادعاء بأن إسرائيل تكترث وتقبل بهذا الحل.
انحدار إسرائيل نحو اليمين بصفة متزايدة يعني أن ممثلي البروباغندا الإسرائيلية لم يعودوا يستطيعون مجرد التظاهر بالاكتراث لأحوال الفلسطينيين ومنحهم دولتهم المستقلة.
فإذا كانت إجابة السفير بالإيجاب بأن إسرائيل تدعم السلام وحل الدولتين، لكان ذلك بمثابة انتحار سياسي في إسرائيل للسفير، لذلك أفضل له أن يعطي إجابة سيئة عن ذلك السؤال من أن يجيب بأن بلاده تسعى للسلام والقبول بدولة فلسطينية وتحمل عواقب إجابته تلك داخلياً.
أما الصحافي الإسرائيلي المخضرم، أنشيل فايفر، فكتب في هآرتس ينعى "الهاسبارا" الإسرائيلية ويقول بأنها باتت تتداعى وتنهار خلال الحرب الجارية على غزة.
فايفر قال إن "الهاسبارا" أصبحت في إسرائيل غاية في حد ذاتها، وأن التركيز عليها كان مضراً بالإسرائيليين، لأن الهاسبارا أمست هدفاً في حد ذاته للإسرائيليين والحكومة بدلاً من كونها وسيلة لغاية.
الإسرائيليون يعتقدون أن العالم يسيء فهمهم، وأن حل الانتقادات وحملات المقاطعة التي تتعرض لها إسرائيل يتمثل في تسويق أفضل لصورة إسرائيل ونشر دعاية إيجابية عنها بدلاً من تغيير تصرفاتها تجاه الفلسطينيين.
لذلك، يجادل فايفر بأن انهيار الهاسبارا الإسرائيلية خبر جيد وإيجابي، لأن ذلك قد يدفع إسرائيل للتفكير ملياً في تغيير سياساتها وتصرفاتها بدلاً من استثمار كل جهدها في تبييض صورة سياسات سيئة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة