"متلازمة هافانا".. كيف وقع 200 دبلوماسي ضحايا لـ"صوت غامض"؟

في أحد أيام عملها بالعاصمة الكوبية هافانا، كانت موظفة الخدمة الخارجية الأميركية تينا أونوفير تقف قرب نافذة المطبخ تغسل الأطباق، قبل أن يحدث ما لم تتوقعه، ألم غير مسبوق في الرأس والعينين.

تحكي تينا ما حدث لشبكة إن بي سي: "شعرت وكأنني تعرضت لشيء ما، ألم لم أشعر به من قبل في حياتي، معظمه في رأسي وفي عيني. كان الأمر كما لو أن يدا غير مرئية قبضت عليّ ولم أستطع التحرك".

حالة تينا ليست منفردة، وذلك بعد إصابة كيت هازباند وزوجها دوغ فيرغسون، فالزوجة كيت التي شخصت بـ"إصابة دماغية مكتسبة" أخبرها الطبيب أن الحالة كما لو أنها تتقدم بالعمر ما بين ٢٠ و٢٥ عاما في يوم واحد.

من هنا جاءت متلازمة هافانا، التي ثارت حولها الشكوك بأنها ليست مجرد حالة مرضية.

في عام ٢٠٢١، شكل مدير المخابرات الوطنية أفريل هاينز ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، للتحقيق في الأمر لتخرج في العام التالي بـ٦ استنتاجات رئيسية هي:

• الأعراض الصحية حقيقية ومقنعة.
• لا يمكن تفسير الأعراض بسهولة من خلال الظروف البيئية أو الطبية المعروفة ويمكن أن تكون بسبب محفزات خارجية.
• تفسّر الطاقة الكهرومغناطيسية النبضية، وخاصة في نطاق الترددات الراديوية، حدوث هذه الأعراض الأساسية بشكل معقول، على الرغم من وجود فجوات في المعلومات.
• تشرح الموجات فوق الصوتية أيضا الخصائص الأساسية لهذه الأعراض بشكل معقول، ولكن لا يزال هناك وجود فجوات في المعلومات.

• لا يمكن للعوامل النفسية والاجتماعية وحدها تفسير الأعراض الأساسية، على الرغم من أنها قد تسبب بعض الحوادث الأخرى أو تساهم في ظهور أعراض طويلة الأمد.
• الإشعاعات المؤينة، والعوامل الكيميائية والبيولوجية، والأشعة تحت الصوتية، والصوت المسموع، والموجات فوق الصوتية التي تنتشر عبر مسافات كبيرة، والتسخين بالجملة من الطاقة الكهرومغناطيسية كلها تفسيرات غير معقولة للخصائص الأساسية في غياب المحفزات الأخرى.

هذه التفسيرات ناقضتها الاستخبارات الأميركية في تقريرها الذي صدر في مارس ٢٠٢٣، الذي قال إنه من غير المرجح ضلوع أي استخبارات أجنبية في الأمر، بحسب واشنطن بوست.

لكن تحقيق ذي إنسايدر، وهي وسيلة إعلام مستقلة معنية بروسيا تصدر من لاتفيا، مع مجلة دير شبيغل الألمانية، وبرنامج ٦٠ دقيقة الاستقصائي الأميركي، توصل إلى دلائل تشير إلى تورط وحدة استخبارية روسية في هذا الأمر.

الوحدة تحمل رقم 29155 وتتبع الاستخبارات العسكرية الروسية GRU، وقد حصل موظفوها على جوائز وترقيات لعمل متعلق بتطوير "أسلحة صوتية غير فتاكة" بحسب ما أفاد التحقيق.

وفقا لتحقيق ذي إنسايدر، فإن هذه الوحدة مسؤولة عن عمليات الاغتيال والتخريب، أما فيما يخص هافانا، فإن واحدا من المصابين أفاد بأنه رأى شخصا عرف لاحقا أنه ألبرت أفريانوف صاحب الـ٢٣ ربيعا.

صحيح أنه عضو الوحدة لكنه ليس كأي عضو، فهو نجل أندريه أفريانوف، القائد المؤسس للوحدة التي أسست داخل المخابرات الحربية الروسية، قبل أن تتحول إلى وحدة اغتيالات عام ٢٠٠٨ وكانت مسؤولة عن عدد من العمليات أبرزها:

1. تسميم العميل البريطاني المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا بغاز الأعصاب نوفيتشوك من الدرجة العسكرية في إنكلترا في عام 2018.
2. تسميم تاجر الأسلحة البلغاري إيميليان جيبريف مرتين بسلاح مماثل من الفوسفات العضوي لأنه كان يبيع ذخيرة إلى جورجيا وأوكرانيا عام ٢٠١٥.
3. استخدام مرتزقة من صربيا لتدبير انقلاب فاشل في الجبل الأسود عشية انضمامها إلى حلف الناتو في عام 2016.

ويتحدث التحقيق عن وجود استهداف بسلاح الطاقة قبل وقائع هافانا، حيث استهدف أحد الموظفين في فرانكفورت الألمانية عام ٢٠١٤.

وقد كان كل من رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز ونائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس قريبين من السلاح الروسي، فقد اضطر الأول لقطع زيارته للهند عام ٢٠٢١ بعدما أبلغ أحد أعضاء الوفد بأعراض هافانا.

الأمر ذاته تكرر مع هاريس التي أخرت زيارتها لفيتنام عندما أبلغ العديد من الموظفين الأميركيين عن أعراض تتوافق مع المتلازمة قبل زيارتها مباشرة، بحسب سي إن إن.

ومع تكرار الحوادث، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن قانونا حمل اسم "متلازمة هافانا" لتعويض المتضررين من هذه الحوادث.