من الموت الدماغي للصدمة الكهربائية.. ماذا حدث للناتو؟

حينما وقعت الدول الـ12 المؤسسة لحلف الناتو عام 1949 (الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وآيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال)، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ولاحقا أمام حلفه "وارسو"، كان الهدف مثلما قال أول أمين عام لورد إسماي "إبقاء الاتحاد السوفيتي في الخارج والأميركيين في الداخل والألمان مهزومين".

توسع الحلف قليلا في عام 1952 مع دخول تركيا واليونان ثم ألمانيا الغربية، ليظل الأمر كذلك طوال الحرب الباردة، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.

تحولت أهداف الحلف من مواجهة الاتحاد السوفيتي إلى هدفين رئيسيين بحسب مجموعة بريتانيكا هما:

1. تعزيز الحوار والتعاون مع الخصوم السابقين في حلف وارسو.
2. "إدارة" الصراعات في المناطق الواقعة على أطراف أوروبا.

الحوار مع الخصوم السابقين تحول إلى انضمام بعضهم للحلف عام 1999 (التشيك والمجر وبولندا)، وعام 2004 (بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا)، بحسب الموقع الرسمي للناتو.

أما الهدف الثاني فقد انعكس مع التدخل في البوسنة منتصف تسعينيات القرن العشرين، ثم المرة الثانية عام 1999 حينما شن ضربات جوية واسعة ضد صربيا للامتثال للأحكام الدولية المرتبطة بحماية السكان الألبان في كوسوفو.

الأمر لم يقف عند هذا الحد فلا يزال للناتو وجود في كوسوفو بقوات قوامها 4 آلاف و500 جندي، وقد انضم إليه من البلقان دول ألبانيا وكرواتيا عام 2009، والجبل الأسود عام 2017، ومقدونيا الشمالية عام 2020.

أما المادة الخامسة المرتبطة بالدفاع الجماعي ضد أي اعتداء على أي دولة في الحلف، فلم يفعل سوى عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر، ليشارك في حرب الولايات المتحدة في أفغانستان.

في عام 2019 خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليدلي بتصريح لإيكونومست أثار جدلا واسعا قال فيه إن الحلف يعاني من "موت دماغي"، لترد عليه المستشارة الألمانية حينها أنغيلا ميركل أن الحكم راديكالي وغير مناسب.

تصريح ماكرون أتى في وقت دب فيه الخلاف بين أعضاء الحلف لا سيما مع ضربات شنتها تركيا عضو الحلف ضد جماعات كردية شمال سوريا، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة وأعضاء آخرون يدعمون فيه قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على هذه المنطقة.

الخلاف لم يقف عند هذا الحد، فكان وجود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أزمة أخرى مع حديثه عن عدم التزام أعضاء الحلف بالمبادئ التوجيهية للإنفاق الدفاعي، الذي يبلغ 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي، وتشكيكه في التزام واشنطن بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو.

تصريح "الموت الدماغي" لماكرون أثار غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال ردا على الرئيس الفرنسي "أنت من يعاني من موت دماغي"، بحسب الأناضول.

حينها قيم مركز مؤسسة سنيرجيا في الهند أنه مع ما حدث "فمن الحكمة أن يتقبل الاتحاد الأوروبي قدراً أعظم من المسؤولية عن أمنه".

مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير عام 2022، بدأت تحركات الناتو لدعم كييف ومعها بدأت تحركات الحلف للتوسع مرة أخرى على حدود روسيا، فكان ما حدث بمثابة "صدمة كهربائية" للناتو بحسب تعبير ماكرون أيضا.

الدولتان اللتان طالما كانتا على الحياد بين أوروبا وروسيا دخلتا مع الحرب الأوكرانية إلى حلف الناتو، فقد انضمت فنلندا عام 2023 ولحقتها السويد في العام 2024، ليزيد توسع الناتو وعدد أعضائه إلى 32 دولة.

وفي يناير 2024، أطلق الناتو، أكبر مناورات عسكرية ينظمها منذ الحرب الباردة بمشاركة نحو 90 ألف جندي فيما عرف بمناورات "المدافع الصامد 24" Steadfast Defender 24 المصممة لاختبار دفاعات الناتو في مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا.

بالإضافة إلى ذلك، فقد عمد الناتو مع الذكرى الخامسة والسبعين إلى تقديم دعم طويل الأمد لكييف في مواجهة احتمال عودة ترمب، فقد اقترح أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (108 مليارات دولار) لمدة 5 سنوات.

الدعم الأطلسي لأوكرانيا دفع الكرملين للقول إن موسكو والناتو أصبحا الآن في "مواجهة مباشرة"، ليأتي الرد من ستولتنبرغ إن الحلف لم ولن يكون طرفا في الصراع في أوكرانيا، بحسب رويترز.