سياسة
.
تشهد العلاقة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان توتراً متصاعداً على خلفية قرارات قضائية صدرت مؤخرا ندّدت بها أربيل، معتبرة أن هدفها "تقويض صلاحياتها".
ويعود التوتر الأخير بشكل رئيسي لقضايا تتعلق بصادرات النفط من الإقليم، ودفع رواتب موظفي مؤسساته الرسمية، فضلاً عن الانتخابات التشريعية المحلية. علما أنها ملفات تسمّم العلاقة بين بغداد وأربيل منذ عقود.
فماذا يحصل تحديدا بين الطرفين؟ وما المتوقع بعد هذا التصعيد؟
رغم تحسّن الوضع بين بغداد وأربيل بعد وصول رئيس الحكومة محمّد شياع السوداني إلى السلطة في أواخر عام 2022، عادت العلاقة لتتعقّد، إذ يبدو أن بعض الأحزاب السياسية الداعمة للحكومة الحالية بدأت بمراجعة مواقفها منها.
والحكومة الاتحادية الحالية مدعومة أساساً من "الإطار التنسيقي"، وهو تحالف أحزاب شيعية يتمتع بالغالبية في البرلمان العراقي.
الصورة من تظاهرة مؤيدة للأكراد
وقال مسؤول سياسي في بغداد رفض الكشف عن اسمه لحساسية القضية، إن الوقت حان لـ"تصحيح أخطاء" سابقة.
وأوضح لوكالة فرانس برس أن "الحكومات المتعاقبة كانت مشغولة بمشاكل وظروف صعبة منها هجوم داعش والتظاهرات (ضد السلطة في 2019) والأزمة الاقتصادية، ما أبعدها عن التحرك ضد الأخطاء التي يمارسها الإقليم".
وبين الأخطاء، على قوله، "الاتفاقيات النفطية التي عقدها الإقليم وتصديره للنفط ونظامه المالي والكثير من القرارات غير القانونية"، وأضاف "حان الوقت لتصفية هذه الأخطاء".
في فبراير الماضي، ألزمت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى هيئة قضائية في العراق، بغداد بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم بشكل مباشر بدلا من المرور عبر السلطات المحلية التي طالما تأخرت في صرفها.
في اليوم ذاته، أصدرت قرارا بتخفيض عدد مقاعد برلمان كردستان من 111 إلى 100 لتحذف بذلك فعليا المقاعد المخصصة للأقليات.
المفارقة أن نوابا من الاتحاد الوطني الكردستاني، القريب من الإطار وإيران ومحامون ومعلمون في السليمانية، معقل الحزب ذاته، تقدموا بالشكوى أمام المحكمة.
تلك القرارات دفعت بالحزب الديموقراطي الكردستاني إلى إعلان مقاطعة الانتخابات التشريعية المحلية، لانتخاب أعضاء مجلس نواب الإقليم المزمع عقدها في 10 يونيو، في خطوة تثير الخشية من تأجيل الانتخابات مرة أخرى بعدما كان يفترض أن تجرى في 2022.
ويعود التوتر الأخير بشكل رئيسي لقضايا تتعلق بصادرات النفط من الإقليم التي تم إيقافها، بعد رفع العراق دعوى على تركيا وتغريمها لسماحها بتصدير الإقليم للنفط عبرها، وهو ما تسبب بإيقاف تصدير النفط من قبل تركيا.
في مارس 2023، توقفت تلك الصادرات جراء قرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بهذا الشأن.
ووافقت أربيل لاحقا على أن تمر مبيعات نفط الإقليم عبر بغداد، مقابل الحصول على نسبة من الموازنة الاتحادية، لكن الاتفاق لم ينفذ بعد.
تلك القرارات الأخيرة زادت من حدة التوتر بين بغداد وأربيل وبدأ الأخير يصدر الاتهامات لبعض القوى السياسية الشيعية في بغداد بمحاولة تركيع أربيل وإضعاف الإقليم، وكذلك اتهام المحكمة الاتحادية باتخاذ قرارات سياسية.
وفي نهاية مارس الماضي أكد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، "عدم دستورية" المحكمة الاتحادية، واتهم أطرافا سياسية في بغداد بممارسة "سياسة عزل" لإقليم كردستان في مسعى لإضعافه.
وقال برزاني خلال استقباله سفيرة الولايات المتحدة في العراق إلينا رومانسكي إن مشاكل إقليم كردستان ليست الانتخابات فقط، بل أيضا قطع الرواتب والهجوم على الإقليم وانتهاج السياسة الخاطئة ضده، وإذا كانت جميع الأطراف تريد مشاركة (الحزب الديمقراطي) في الانتخابات، فعليها أن تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الحزب لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة تخدم الاستقرار والعملية الديمقراطية.
ويرى مدير مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري في تصريح لفرانس برس أن "هناك إرادة لدى بعض الأطراف السياسية الشيعية لتقويض الكيان الدستوري لإقليم كردستان، فضلا عن حالة من الثأر السياسي".
ويوضح الشمري أن "القضايا التي رفعت ضد الإقليم ذات طابع سياسي، لكن القرارات (القضائية) التي صدرت ضده دستورية".
ويرى أن تعدد الشكاوى يقوض الثقل السياسي في إقليم كردستان و"بالتحديد ثقل الحزب الديموقراطي الكردستاني".
ولطالما رسمت المنافسة بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تجمعه علاقة أكثر ودية مع بغداد، معالم السياسة في الإقليم.
رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني قال الشهر الماضي "هناك مخططات عديدة تهدف لتقويض كيان إقليم كردستان بشتى الوسائل"، مشددا على أن إنشاء كردستان لم يكن هدية أو معروفا، بل كان ثمرة كفاح طويل.
وكان من المعروف أن الاتحاد له علاقات طويلة مع إيران، حتى أن أحد النزاعات التي اندلعت بين الوطني والديمقراطي لجأ فيها الأخير إلى صدام حسين، في حادثة مشهورة تذكر حتى اليوم للاستعانة بالقوات العراقية لصد قوات الاتحاد المدعومة من إيران.
هذا الأمر أنتج شرخا في العلاقة استغلته الأحزاب القريبة من إيران لاستمالة الاتحاد ومعاقبة الديمقراطي، الذي اختار تشكيل حكومة دون الإطار قبل أن ينسحب الأخير ويضطر الديمقراطي للدخول ائتلاف يدعى "إدارة الدولة" لتشكيل الحكومة مع الإطار والاتحاد.
ويتمتع إقليم كردستان بالحكم الذاتي منذ العام 1991 لكن الحزبين الرئيسيين يحكم كلا منهما محافظة رئيسية، حيث يسيطر الوطني على السليمانية وله نفوذ في كركوك وحلبجة، بينما يسيطر الديمقراطي على أربيل دهوك وكل منهما له قوات خاصة به وإدارة مختلفة عن الأخرى رغم أن للإقليم حكومة واحدة.
وفي 2017 ومع دخول القوات الاتحادية للسيطرة على كركوك عقب استفتاء الانفصال الذي تبناه الديمقراطي، اتهم الأخير الاتحاد الوطني بالخيانة والسماح للقوات القادمة من بغداد بالدخول دون مقاومة والانسحاب إلى السليمانية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة