سياسة
.
هجرة عكسية متزايدة، واقتصاد متداع، وأوضاع سياسية مضطربة، والشوارع تملؤها الاحتجاجات، وعزلة دولية متزايدة، وقلق مستمر، وارتفاع بنسبة 950% في بلاغات الاضطرابات النفسية.
هكذا بدت إسرائيل بعد 6 أشهر على حربها ضد حماس، فيما يحذر مراقبون من أن الوضع قد يستمر في التدهور وسط خوف من توسع رقعة الحرب لتصبح حربا إقليمية على جبهات متعددة في الشمال والجنوب وضد إيران معا في آن واحد.
علاوة على ذلك، تقول صحيفة هآرتس إنه بعد كل تلك المدة الطويلة، لم تحقق إسرائيل سوى القليل من أهدافها في الحرب ولم تنجح في تحرير الرهائن وتسببت في ارتفاع التوتر مع حليفتها الأقرب الولايات المتحدة.
فكيف يبدو الوضع في إسرائيل مع انتهاء الـ٦ أشهر الأولى من الحرب مع كل تبعات ذلك؟
في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، ومع نهاية عام 2023 صدرت إحصائيات أفادت بانخفاض معدلات هجرة اليهود لإسرائيل بنسبة تقارب الـ50%.
في شهر أكتوبر، انتقل لإسرائيل ألف و163 شخصا فحسب، مقارنة بـ2364 مهاجرا يهوديا جديدا في شهر سبتمبر.
في المقابل، حذرت صحيفة هآرتس، الثلاثاء، من أن الإسرائيليين يبحثون عن الهجرة وترك البلاد بشكل متزايد هربا من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بشكل غير مسبوق في ظل الحرب.
وأضاف الكاتب نيسان شور أن "الحكومة الإسرائيلية لم تقم بالإفصاح عن أرقام دقيقة حول موجات الهجرة العكسية، لكن بناء على متابعته لشبكات التواصل الاجتماعي ومحادثات عدة مع معارفه من قريب وبعيد ومن خلفيات متعددة، فإن إسرائيل تعيش في بداية تخلي عنها بشكل جماعي".
وأضاف الكاتب أن الإسرائيليين يطلقون اسم "الخروج على الطريقة الفرنسية" على من يهاجرون من إسرائيل لأنهم يخرجون على استحياء دون أو يعلنوا ذلك أو يودعوا أهلهم.
وشبه نيسان ما يحدث الآن من هجرة عكسية مثل الدومينو بموجات الهجرة العكسية في ظل الانتفاضة الثانية حين أصبح الأمر روتينيا للكاتب أن يقوم بزيارات لا حصر لها لحفلات وداع الأصدقاء والأهل الذين تركوا البلاد بلا رجعة.
وأشار الكاتب بشكل تهكمي إلى أنه حتى يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهم الصورة بوضوح وأيقن أن عليه الابتعاد عن إسرائيل والهجرة لميامي، وأن هذا هو حال العديد من الإسرائيليين حاليا الباحثين عن دول أفضل للانتقال إليها.
وأضاف نيسان ساخرا أن نتنياهو الأب يحاول بكل جهده أن يثبت أن ما فعله ابنه هو القرار السليم وكأن لسان حاله يقول "ابني العزيز، صدقني، سأفعل كل شيء لإثبات أنه ليس لديك ما ترجع إليه هنا".
بحسب منظمة ARAN الإسرائيلية، فإنه منذ الـ٧ من أكتوبر ارتفعت اتصالات الإسرائيليين الذين يقومون بالإبلاغ عن إصابتهم باضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب والصدمة بنسبة 950%.
المنظمة قالت إنه في ظل الحرب، وصلتها نحو 172 ألف شكوى وإبلاغ عن تلك الاضطرابات بمعدل 33 ألف شكوى في الشهر الواحد. هذا الرقم يعتبر أقل بكثير من الواقع لأن العديد من الناس يخشون الإفصاح عن مواجهتهم تلك الاضطرابات.
البرفسور الإسرائيلي يائير بار حايم حذر في شهر فبراير الماضي من أن الحرب ستصيب نحو 30 ألف إسرائيلي على الأقل باضطرابات ما بعد الصدمة، لكن دراسة إسرائيلية صدرت في شهر مارس رفعت هذا الرقم بشكل كبير، قائلة إن نحو نصف مليون إسرائيلي يواجهون خطر الإصابة بهذا الاضطراب النفسي.
وبحسب مسح تم إجراؤه في شهر ديسمبر الماضي، فإن واحدا من كل ٣ إسرائيليين أبدى تعرضه لأمراض واضطرابات نفسية بسبب الحرب في غزة والتصعيد في الشمال وهجوم ٧ أكتوبر.
الجيش الإسرائيلي أقر أيضا أن نحو 1600 جندي على الأقل أصيبوا بأمراض واضطرابات نفسية أثناء الحرب كاضطراب ما بعد الصدمة وأن هذا العدد مرشح للزيادة بشكل دراماتيكي.
مساء الثلاثاء الماضي، كاد المتظاهرون المناهضون للحكومة على وشك اقتحام بيت نتنياهو بعد نجاحهم في اجتياز الحاجز الأمني أمام البيت في شارع بلفور بالقدس لولا أن الشرطة نجحت في ردعهم.
وهرع رئيس الشاباك رونين بار للمكان، وناشد هو وقادة الحكومة ومجلس الحرب، المتظاهرين بعد تكرار هذا التصرف الذي قد يقود إسرائيل "لأماكن خطيرة".
في اليوم التالي، قاطع المتظاهرون أنفسهم جلسة للكنيست احتجاجا على تقاعس حكومة نتنياهو في استعادة الأسرى المحتجزين في غزة ووعدوا بالاستمرار في الاحتجاج والسعي للإطاحة بنتنياهو.
في الوقت نفسه تشهد البلاد مظاهرات احتجاجية أخرى لليهود الألترا أرثوذوكس الرافضين للخدمة العسكرية بعد أن حجبت المحكمة العليا تمويل مدارس تعليم التوراة، وأتاحت للجيش تجنيدهم إجبارايا.
اليهود المتدينون، الحريديم والحسيديم، يطالبون حكومة نتنياهو أن يقوموا بسن قانون يجدد إعفاءهم من التجنيد ليتفرغوا لدراسة التوراة والدفاع عن إسرائيل وتحصينها عبر تلاوتهم للكتب المقدسة.
لكن بعض أعضاء التحالف الحاكم مثل وزير الدفاع، يؤاف غالانت، يعارضون مثل ذلك القانون التفضيلي للحريديم على باقي الإسرائيليين الذين يقع على عاتقهم الانضمام للجيش.
وهدد كبير حاخامات إسرائيل يتسحاق يوسف من أن الضغط على الحريديم وإجبارهم على الخدمة العسكرية قد يدفعهم للهجرة والرحيل من البلاد.
بشكل غير مسبوق، وقعت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي مع 40 عضوا في الكونغرس على رسالة للرئيس الأميركي، جو بايدن، يوم الجمعة، يطالبونه فيها بوقف صفقات السلاح لإسرائيل ووضع شروط على المساعدات الأميركية للإسرائيليين التي تتجاوز قيمتها 3.8 مليارات دولار سنويا.
بيلوسي نفسها كانت حتى وقت قريب من أشرس المدافعين عن إسرائيل لدرجة أنها حاولت شيطنة من يطالبون بهدنة في غزة بأنهم "ينشرون رسالة بوتين".
وبالتزامن مع ذلك، أدلى رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور اليهودي، تشك شومر، المناصر لإسرائيل بإدلاء خطاب هجومي مفاجئ ضد بنيامين نتنياهو، وصفه فيه بالعقبة ودعا لانتخابات مبكرة في إسرائيل لتغيير الحكومة.
أما الشيف الأميركي الإسباني الشهير خوسي أندريس رئيس منظمة مطبخ العالم المركزي فقد كان في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة مناصراً قوياً للإسرائيليين قدم لها الدعم وهاجم من قالوا بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب ووصفهم بـ"أنصار حماس".
لكن هذا الأسبوع تبدل حال الشيف الشهير بالكامل عندما قال بأن إسرائيل لا تشن حرب على حماس وإنما تشن "حرب ضد الإنسانية نفسها"، وذلك بعد أن قام الجيش الإسرائيلي باغتيال طاقم موظفي مطبخ العالم الدوليين في غزة.
دول غربية مختلفة مثل كندا واسبانيا وبلجيكا وهولندا قامت بحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل مؤخراً بشكل جزئي أو كلي، بينما تقترب بريطانيا بشكل كبير من أن تلحق بهم بعد تسريبات بأن مستشاري الحكومة البريطانية قالوا إن إسرائيل تنتهك القانون الدولي الإنساني في غزة.
لذلك، تقول وكالة أسوشيتد برس إنه بعد 6 أشهر على الحرب، فإن عزلة إسرائيل الدولية في ازدياد كبير بلا نهاية في الأفق.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة