في قطاع غزة.. رحلات عودة من الموت

قصفت قوات الجيش الإسرائيلي منزلين في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، لتقتل 19 شخصا، ليلة الأحد، كان من بينهم سيدة حامل وزوجها وابنتها.

فرق التنقيب تحت الأنقاض في غزة، اكتشفت حمل السيدة، واستدعت الأطباء، لعمل جراحة قيصرية طارئة، في محاولة لإنقاذ الجنين حتى لا يلقى مصير والدته.

ونجحت العملية الجراحية الفريدة من نوعها للسيدة التي فارقت الحياة، وتم الاعتناء بالطفلة الوليدة وتقديم العناية الطبية اللازمة لها، وفقا للإمكانيات المحدودة في القطاع الذي يعاني نقص الغذاء والدواء.

وقال الطبيب محمد سلامة، الذي يعتني بالطفلة، في تصريحات نقلتها "رويترز"، إن حالتها مستقرة وتشهد تحسنا تدريجيا، لكنها تعاني من نقص واضح في وزنها الذي يبلغ 1400 غرام فقط، وهو أقل من المعدل الطبيعي لحديثي الولادة.

ووضع الأطباء شريطا لاصقا على صدر الطفلة الناجية، كتب عليه "ابنة صابرين"، وتم إيداعها بأحد المستشفيات الذي ما زال يعمل جنوب قطاع غزة بمدينة رفح.

وأكد الأطباء أن الطفلة الوليدة ستحتاج إلى فترة تتراوح ما بين 3 و4 أسابيع في مستشفى رفح، قبل أن تحصل على إذن طبي بالخروج.

وتجمع السكان والنازحون بعد حالة الولادة التي اعتُبرت معجزة جديدة في غزة، وظهر أحد أقرباء الطفلة الوليدة، ويدعى رامي الشيخ، ليكشف عن أمنيات الأسرة التي قُتلت بالقصف.

وكشف الشيخ عن أن الطفلة "ملاك" شقيقة الوليدة الجديدة، رغبت في منح أختها اسم "روح"، مضيفا: "كانت ملاك تحلم بأن تسمي أختها روح، وكانت تشعر بسعادة بالغة وتنتظرها بشغف".

واقعة الطفلة الفلسطينية التي تمسكت بالحياة داخل أحشاء والدتها التي قُتلت، ليست الأولى، فقد سجلت الأشهر الستة الماضية حالات مشابهة لأطفال وكبار رفضوا الموت تحت الأنقاض، وظلوا في انتظار فرق الإنقاذ.

قوات الدفاع المدني بغزة نشرت مقطعا عبر صفحتها على "فيسبوك" في فبراير الماضي، لعملية إنقاذ نالت صدى واسعا، لأسرة مكونة من 5 أفراد ظلت تحت الأنقاض لمدة 9 أيام كاملة.

وكانت قوات الجيش الإسرائيلي قصفت مباني سكنية في حي الزيتون وسط قطاع غزة، لتخلف عشرات القتلى والجرحى، لكن الطفل أحمد نعيم وأربعة من أفراد عائلته ظلوا تحت الأنقاض ينتظرون فرصة النجاة.

الدفاع المدني في غزة كشف عن أن أجساد الخمسة الذين انتشلوهم من تحت الأنقاض أصبحت أشبه بالهياكل العظمية، بعد أن ظلت 9 أيام دون غذاء أو دواء تحت ركام المنزل المهدوم فوق رؤوسهم.

وتستمر أنقاض غزة في الكشف عن أسرار الحياة بين الموتى، إذ عثر في ديسمبر الماضي عن طفل رضيع تحت ركام منزل مهدم في حالة سيئة للغاية بعد أن أنهكه الجوع.

الطفل الرضيع أُودع بمستشفى يعاني من زيادة الأطفال حديثي الولادة في قسم الحضانات، بعد أن وصل معه في اليوم نفسه 5 أطفال جدد في حاجة للعناية الطبية.

وكُشف عن طفل آخر يُدعى حسن مشمش، وُجد تحت الركام عقب 5 أيام كاملة من عملية قصف إسرائيلية جديدة استهدفت منازل المدنيين في غزة.

وتحكي جدة الطفل الرضيع: "كانت أمه ترضعه وفجأة وقع القصف، ليُقتل أبوه وأمه، ويظل هو على قيد الحياة، مع أخته الكبيرة التي نُقلت للمستشفى، أتمنى أن تساعدني في تربية شقيقها الصغير".

ونجح الدفاع المدني بغزة في استخراج طفلة على قيد الحياة من تحت ركام منزل استهدفه الطيران الإسرائيلي في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، لتستمر محاولات التشبث بالحياة من الأطفال في ظل الموت الذي يحاصرهم برا وبحرا وجوا.

في وقت تشتد خلاله الحرب التي خلّفت أكثر من 110 آلاف بين قتيل وجريح من الفلسطينيين، تستمر النساء في الإنجاب وتقديم وجوه جديدة تأمل في حياة أفضل فوق أراضي قطاع غزة.

وزارة الصحة بغزة كشفت في أحدث تقرير لها عن ارتفاع حصيلة القتلى إلى 34 ألفا و97 فلسطينيا، و76 ألفا و980 مصابا، منذ 7 أكتوبر الماضي.

ولا تتوقف إسرائيل عن قصف قطاع غزة بالصواريخ والمتفجرات والمدفعية الثقيلة والخفيفة، محملة نتيجة موت المدنيين إلى حركة حماس التي نفذت هجوما غير مسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.

وبينما يزداد الطلب على الأكفان في غزة، تستمر المناشدات في إرسال حليب الأطفال الرُضع الصناعي، من أجل مساعدة أولئك الرُضع الذين فقدوا أمهاتهم، من أجل الاستمرار على قيد الحياة.

وتكتظ المستشفيات الفلسطينية بالجرحى الذين يتشبثون بالحياة، والقتلى الذين وقعوا ضحية القصف الإسرائيلي، لكنها تمتلئ أيضا بالأطفال حديثي الولادة الناجين من كل هذا الدمار، في تجسيد حقيقي للعبة الحياة والموت التي تجرى على أرض غزة منذ أكثر من 6 أشهر.