بقاء النظام أهم.. قاعدة تحكم حسابات خامنئي

يعد المرشد الإيراني علي خامنئي صانع القرار لجميع السياسات الداخلية والخارجية الكبرى في بلاده بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز. ويرفض الرجل البالغ من العمر 85 عامًا بشدة ما يعتبره "الغرب المستبد"، ولا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل.

يقول خامنئي إن العالم الإسلامي يجب أن يعتمد على نفسه في نضاله من أجل العدالة بحسب التقرير. وقد دافع عن سياسات إيران الخارجية والعسكرية، فضلاً عن البرنامج النووي المثير للجدل الذي يقول إنه لأغراض سلمية، مستشهداً بنصوص دينية.

تصف الصحيفة خامنئي بالرجل العملي الذي استجاب لتوجيهات سلفه الخميني بأن بقاء النظام يفوق أهمية حتى مبادئ الثورة الأساسية لإيران، وأبرزها "مكافحة النفوذ الأجنبي" بحسب دستور البلاد.

يتخذ خامنئي قرارات محسوبة عندما يتجاوز خصومه خطوطه الحمراء.

فبعد أن قتلت الولايات المتحدة في عام 2020 قائده المفضل في الحرس الثوري، قاسم سليماني، أمر خامنئي بهجوم صاروخي على قاعدة أميركية في العراق، أدى إلى إصابة عدد من الجنود، لكنه لم يتسبب في سقوط قتلى.

وفضح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إيران، في نوفمبر من العام 2023، موضحا أنها أبلغتهم قبل شن الضربة "علينا أن نضربكم لأننا نحترم أنفسنا". وكشف ترمب أن إيران أخبرت الأميركيين "لا تقلقوا، سنطلق 18 صاروخا على قاعدتكم العسكرية، لكن لن يصل أي منها إلى القاعدة".

خرج خامنئي عن نهج "الصبر الاستراتيجي" عندما وافق مؤخرا على أول ضربة إيرانية مباشرة على إسرائيل بأكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة، وذلك ردا على هجوم اتهمت فيه إيران إسرائيل على قنصليتها في دمشق.

لكن حتى هذا الهجوم اعتبرته طهران مصممًا للحد من التصعيد من خلال تجنب وقوع خسائر فادحة، وفق ما يفيد تقرير الصحيفة.

وبعد الضربات المضادة التي شنتها إسرائيل، الجمعة، كان رد فعل إيران العلني خافتا، في إشارة إلى إنها تريد تجنب صراع شامل.

يسيطر خامنئي على الحرس الثوري، وساعد في تحويله إلى المؤسسة الأكثر أهمية في إيران. وقادة الحرس مخلصون له ولأيديولوجيته.

تشكل الحرس الثوري لحماية النظام الديني الحاكم وتوفير ثقل مقابل للقوات المسلحة التقليدية.

ويتبع الحرس الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي وله نحو 125 ألف مقاتل في وحدات برية وبحرية وجوية.

يستمع خامنئي لنصائح الحرس الثوري، حتى في الشؤون غير العسكرية. ووصف تقرير الصحيفة الحرس الثوري بـ "حكومة ظل" قوية في إيران.

يعتبر الحرس الثوري بمثابة جهاز خامنئي الأساسي لممارسة السلطة في إيران والشرق الأوسط. ويمتد تأثيرهم عبر السياسة الخارجية والاقتصاد والمسائل الثقافية والاجتماعية والسياسة الداخلية، بما في ذلك مراقبة المعارضة السياسية وقمعها.

وسعى خامنئي، الذي اتخذ موقفا تصادميا طوال فترة ولايته التي امتدت لنحو 35 عاما، إلى محاربة وتقويض الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل منهجي، ولكن دون إثارة حرب مفتوحة.

فألزم خامنئي الحرس الثوري باستراتيجية الحرب غير المتكافئة، وإيجاد طرق مختلفة لمحاربة أعداء أكثر قوة تقليديا، إذ مكنت إيران الميليشيات التابعة لها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ودعمت حماس، وطوّرت صواريخ باليستية طويلة المدى وطائرات دون طيار وزوارق سريعة لمواجهة أعدائها.

شددت إيران من القيود الداخلية في الآونة الأخيرة، بما في ذلك عمليات الإعدام وتوقيف معارضين وعودة دوريات الشرطة الموكلة بمراقبة التزام القواعد الصارمة للباس في البلاد، في وقت يتصاعد فيه التوتر الإقليمي بينها وبين إسرائيل، وفق محللين وحقوقيين.

"القمع" الذي تمارسه السلطات، وفق توصيف المنظمات الحقوقية، دخل مرحلة جديدة تزامنا مع تصاعد التوتر الإقليمي منذ الأول من أبريل.

وتحدث ناشطون إيرانيون في الفترة الماضية عن عودة الحافلات الصغيرة البيضاء اللون لشرطة الأخلاق إلى ساحات المدن، والتي يقوم عناصرها بتوقيف المخالفات لقواعد اللباس المعتمدة، وأبرزها وضع الحجاب.

وأعلن قائد شرطة العاصمة عباس علي محمديان في 13 أبريل أن الشرطة في طهران وسائر المحافظات الإيرانية "ستتدخل ضد الأشخاص الذين يروجون لعدم ارتداء الحجاب".

وخلال الأيام الماضية، تداول مستخدمون أشرطة فيديو لأفراد شرطة من الإناث والذكور يقومون بتوقيف نساء واقتيادهن إلى حافلات شرطة الأخلاق.

قالت نرجس محمدي، الناشطة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام 2023 والموقوفة في سجن إوين بطهران، إن إيران "حوّلت الشوارع إلى ميدان حرب ضد النساء وجيل الشباب"، وفق رسالة تداولها مؤيدوها عبر منصات التواصل.

وأظهر فيديو يرجح أنه التقط قرب ساحة تجريش بشمال طهران، سيدة تسقط أرضا بعد توقيفها من قبل الشرطة. وسُمعت السيدة تقول للمارة الذين حاولوا مساعدتها، إن هاتفها تمّت مصادرته.

وقال هادي قائمي مدير "مركز حقوق الإنسان في إيران" ومقره في نيويورك، إنه "في ظل تزايد المعارضة في الداخل وتركّز الانتباه الدولي على التوترات الإقليمية"، تغتنم إيران الفرصة لتشديد حملة القمع.

وتابع "في غياب ردّ دولي صارم، ستتشجع إيران على زيادة العنف الذي تمارسه ضد النساء وانتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان".

وخلال مظاهرات 2022، قتل المئات بينهم عناصر من قوات الأمن، وفق أرقام رسمية ومنظمات حقوقية، وتمّ توقيف الآلاف.

يتواصل في السجون تنفيذ أحكام الإعدام التي يعتبرها الناشطون وسيلة لإثارة الخوف في المجتمع. ووفق منظمة "حقوق الإنسان في إيران"، ومقرها في النرويج، أعدمت السلطات 110 أشخاص إلى الآن هذه السنة.

وممن تمّ إعدامهم في الآونة الأخيرة إسماعيل حسنياني (29 عاما) وزوجته مرجان حاجي زاده (19 عاما) المدانَين بقضايا مرتبطة بالمخدرات، وتمّ تنفيذ حكم الإعدام بحقهما في السجن المركزي لزنجان في 11 أبريل، وفق منظمة "حقوق الإنسان في إيران".

واعتبر مدير المنظمة محمود أميري مقدم أن "النظام سيستغل بلا أدنى شكّ هذه الفرصة لتشديد قبضته في الداخل".

وأشار إلى أن السلطات "لم تتمكن بعد من استعادة السيطرة إلى الحد الذي كانت عليه قبل سبتمبر 2022. الآن ربما لديها الفرصة للقيام بذلك، في حال انصرف كل الاهتمام الدولي إلى التوتر المتصاعد مع إسرائيل".